فقال أبو بكر: والله ما دعوته، ولا غدرته، ثم قال متمم:
لنعم حشو الدرع كان وحاسرا * ولنعم مأوى الطارق المتنور لا يمسك الفحشاء تحت ثيابه * حلو شمائله عفيف المأزر وبكي حتى انحط عن سية قوسه.
قالوا: فما زال يبكي حتى دمعت عينه العوراء، فما أنكر عليه في بكائه، ولا في رثائه منكر، مع ما في بكائه ورثائه من المغازي السياسية، بل قال له عمر:
لوددت أنك رثيت زيدا أخي بمثل ما رثيت به مالكا أخاك، فرثي متمم بعدها زيدا فما أجاد.
فعاتبه عمر بقوله: لم لم ترث أخي كما رثيت أخاك؟
فقال: إنه والله ليحركني لأخي ما لا يحركني لأخيك.
واستحسن الصحابة والتابعين ومن بعدهم مراثيه في مالك، فكانوا يتمثلون بها إذا اقتضى الأمر ذلك، كما فعلته عائشة إذ وقفت على قبر أخيها عبد الرحمن فبكت عليه وتمثلت بقول متمم:
وكنا كندماني جذيمة حقبة * من الدهر حتى قيل لن يتصدعا فلما تفرقنا كأني ومالكا * لطول اجتماع لم نبت ليلة معا وما زال الرثاء فاشيا بين المسلمين في كل عصر ومصر لا يتناكرونه.
وحسبنا دليلا على استحبابه في مآتمنا ما رواه أصحابنا عن زيد الشحام قال: كنا عند أبي عبد الله الصادق عليه السلام نحن وجماعة من الكوفيين، فدخل جعفر بن عفان فقربه الإمام وأدناه، ثم قال: يا جعفر بلغني أنك تقول الشعر في الحسين وتجيد.