ورثته أيضا بأبيات تثير الأشجان، ذكر ابن عبد ربه منها هذين البيتين:
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * وغاب مذ غبت عنا الوحي والكتب فليت قبلك كان الموت صادفنا * لما نعيت وحالت دونك الكتب ورثاه كل من عمته صفية، وابن عمه أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وأبي ذؤيب الهذلي، وأبي الهيثم بن التيهان، وأم رعلة القشيرية، وعامر بن الطفيل وغيرهم.
ومن استوعب الاستيعاب، وتتبع طبقات ابن سعد وأسد الغابة والإصابة يجد من مراثي الصحابة شيئا كثيرا. (1) وقد أكثرت الخنساء - وهي صحابية ذات شأن - من رثاء أخويها صخر ومعاوية - وهما كافران - وأبدعت في مدائح صخر، وأهاجت عليه لواعج الأحزان، على أنها كانت من الصالحات، وقد بذلت أولادها الأربعة في نشر الدعوة الإسلامية، وسرها قتلهم في هذا السبيل، وما برحت ترثي أخويها حتى ماتت، فما أنكر عليها في ذلك أحد.
وأكثر أيضا متمم بن نويرة من تهيج الحزن على أخيه مالك في مراثيه السائرة حتى وقف مرة في المسجد وهو غاص بالصحابة، واتكأ على سية قوسه أمام أبي بكر بعد صلاة الصبح فأنشد:
نعم القتيل إذ الرياح تناوحت * خلف البيوت قتلت يا بن الأزور ثم أومأ إلى أبي بكر فقال مخاطبا له:
أدعوته بالله ثم غدرته * هو لو دعاك بذمة لم يغدر