المجالس الفاخرة في مصائب العترة الطاهرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٣١
بكاءه بكوا، فقال صلى الله عليه وآله: إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب... الحديث. (1) والصحاح الدالة على بكائه على الموتى مما لا يكاد يحصى.
وأما قوله صلى الله عليه وآله وتقريره الدالان على جواز البكاء فمستفيضان ومواردهما كثيرة.
أحدها: يوم استشهد جعفر الطيار، إذ جاءت النبي صلى الله عليه وآله امرأته أسماء بنت عميس فعزاها، ودخلت فاطمة عليها السلام وهي تبكي وتقول: واعماه.
فقال النبي صلى الله عليه وآله: على مثل جعفر فلتبك البواكي. (2) ثانيها: يوم رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من أحد، وجعلت نساء الأنصار يبكين على من قتل من رجالهن.
فقال - بعد أن أقرهن على البكاء -: ولكن حمزة لا بواكي له، ثم نام فانتبه وهن يبكين حمزة فهن إلى اليوم إذا بكين يندبن حمزة. (3)

(1) قال (رحمه الله): وهذا الحديث حجة من ثلاث جهات، فعل النبي صلى الله عليه وآله وقوله وتقريره.
(2) قال (رحمه الله): هذا الحديث مستفيض وطرقه صحيحة، وقد ذكره ابن عبد البر في ترجمة جعفر من الاستيعاب، وهو مشتمل على تقرير النبي صلى الله عليه وآله على البكاء وأمره به، على أن مجرد بكاء الزهراء حجة بالغة.
(3) قال (رحمه الله): ولا تنس كلمة النبي صلى الله عليه وآله في طلب البكاء على حمزة وما فيها من الدلالة على الاستحباب، وحسبك بها، وبقوله: على مثل جعفر فلتبك البواكي دليلا على ذلك...
وأما ما جاء في صحيحي البخاري ومسلم من أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه. وفي رواية: ببعض بكاء أهله عليه. وفي رواية: ببكاء الحي. وفي رواية: يعذب في قبره بما ينح عليه. وفي رواية: من يبك عليه يعذب. فإنه خطأ من الراوي بحكم العقل والنقل.
قال الفاضل النووي - عند ذكر هذه الروايات في باب الميت - ما هذا لفظه: هذه الروايات كلها من رواية عمر بن الخطاب وابنه عبد الله.
[قال:] وأنكرت عائشة عليهما ونسبتهما إلى النسيان والاشتباه، واحتجت بقوله تعالى:
* (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * إلى آخر كلامه.
وأنكر هذه الروايات أيضا ابن عباس واحتج على خطأ راويها، والتفصيل في الصحيحين وشروحهما، وما زالت عائشة وعمر في هذه المسألة على طرفي نقيض حتى أخرج الطبري في حوادث سنة 13 من تاريخه عند ذكر وفاة أبي بكر في الجزء الرابع من تاريخه بالإسناد إلى سعيد بن المسيب قال: لما توفي أبو بكر أقامت عليه عائشة النوح، فأقبل عمر بن الخطاب حتى قام ببابها فنهاهن عن البكاء على أبي بكر، فأبين أن ينتهين، وقال عمر لهشام بن الوليد: أدخل فأخرج إلي ابنة أبي قحافة. فقالت عائشة لهشام حين سمعت ذلك من عمر: إني أحرج عليك بيتي. فقال عمر لهشام: أدخل فقد أذنت لك، فدخل هشام وأخرج أم فروة أخت أبي بكر إلى عمر فعلاها بالدرة، فضربها ضربات، فتفرق النوح حين سمعوا ذلك.
قلت: كأنه لم يعلم تقرير النبي صلى الله عليه وآله نساء الأنصار على البكاء على موتاهن، ولم يبلغه قوله صلى الله عليه وآله: " لكن حمزة لا بواكي له "، وقوله صلى الله عليه وآله: " على مثل جعفر فلتبك البواكي "، وقوله صلى الله عليه وآله: " إنما يرحم الله من عباده الرحماء ".
ولعله نسي نهي النبي صلى الله عليه وآله إياه عن ضرب البواكي يوم ماتت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، ونسي نهيه إياه عن انتهارهن في مقام آخر.
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة الناشر 5
2 ترجمة المؤلف 7
3 ولادته ونشأته 7
4 دراسته العلمية 7
5 عودته إلى جبل عامل 8
6 أسفاره 9
7 مؤلفاته 10
8 وفاته ومدفنه 12
9 عملنا في الكتاب 13
10 المقدمة الزاهرة لكتاب المجالس الفاخرة 17
11 مقدمة المؤلف 19
12 المطلب الأول: في البكاء 21
13 المطلب الثاني: في رثاء الميت بالقريض 33
14 المطلب الثالث: في تلاوة الأحاديث المشتملة على مناقب الميت ومصائبه 45
15 المطلب الرابع: في الجلوس حزنا على الموتى من أهل الحفائظ والأيادي المشكورة 48
16 المطلب الخامس: في الانفاق عن الميت في وجوه البر والاحسان 51
17 فصل 53
18 فصل 87
19 المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة 121
20 التعريف الكتاب 123
21 مقدمة الكتاب 127
22 المجلس الأول: في البكاء 128
23 المجلس الثاني: في الرثاء 138
24 المجلس الثالث: في تلاوة الأحاديث 149
25 المجلس الرابع: في الجلوس حزنا على الموتى 155
26 المجلس الخامس: في الانفاق صدقة عن الميت 161
27 * الفصل الأول فيما يتلى بتمامه صبيحة العاشر من المحرم، ويتلى مجالس متعددة في سائر أيام العشر، أو في باقي أيام السنة، فهو ليوم العاشر مجلس واحد، ولغيره اثنا عشر مجلسا 167
28 المجلس الأول 169
29 المجلس الثاني 176
30 المجلس الثالث 181
31 المجلس الرابع 185
32 المجلس الخامس 194
33 المجلس السادس 200
34 المجلس السابع 207
35 المجلس الثامن 212
36 المجلس التاسع 225
37 المجلس العاشر 230
38 المجلس الحادي عشر 234
39 المجلس الثاني عشر 240
40 الفصل الثاني في هدي النبي صلى الله عليه وآله وسيرته وذكر خصائصه المقدسة 251
41 المجلس الثالث عشر 253
42 المجلس الرابع عشر 259
43 المجلس الخامس عشر 263
44 المجلس السادس عشر 267
45 المجلس السابع عشر 272
46 المجلس الثامن عشر 277
47 المجلس التاسع عشر 280
48 المجلس العشرون 284
49 المجلس الحادي والعشرون 287
50 المجلس الثاني والعشرون 290
51 المجلس الثالث والعشرون 294
52 المجلس الرابع والعشرون 299
53 الفصل الثالث في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام ومواعظه وارشاداته 303
54 المجلس الخامس والعشرون 305
55 المجلس السادس والعشرون 313
56 المجلس السابع والعشرون 316
57 المجلس الثامن والعشرون 321
58 المجلس التاسع والعشرون 324
59 المجلس الثلاثون 327
60 المجلس الحادي والثلاثون 330
61 المجلس الثاني والثلاثون 333
62 المجلس الثالث والثلاثون 339
63 المجلس الرابع والثلاثون 342