ومما نقلته سابقا ظهر ظهور هذه الدعوة عند ابن أبي الحديد أيضا، وفي رواية ابن قتيبة دلالة على غاية الخلاف في مواضع منها لا تحتاج إلى التفصيل، وعلى نفاق عمر، وعلى تركه مقتضى الكتاب والسنة، وعدم مبالاته بشئ من القبائح، وعلى بطلان خلافة أبي بكر بوجه آخر، وهو أنه (عليه السلام) لما احتج عليهم بما احتج به لم يتعرض أحدهما لدفع احتجاجه (عليه السلام) أصلا، فقال عمر في جواب الاحتجاج: إنك لست متروكا حتى تبايع، فلو كان له جواب لوجب ذكره عادة وعقلا، فعدم ذكره في أمثال هذا المقام دليل قاطع على العدم، ولو لم يكن إلا واحدة من هذه الروايات لم يجز الحكم بكون أمير المؤمنين (عليه السلام) مع الأولين، وبعد الاجتماع وملاحظة قرينة الصدق، لا يبقى شك لأهل الحجى إن لم يختل عقله بالأغراض الفاسدة، ولا يحتاج إلى ضميمة أخبار أخر، وكذلك ما ذكرته سابقا بانفراده كاف في هذا المدعى، ولا يحتاج إلى ضميمة هذه، وما لم أذكره بل بعضه كاف من غير حاجة إلى ضميمة الأخبار المذكورة وغير ذلك البعض.
وفي آخر الخبر يظهر أن قصدهما الحيلة بأي وجه تيسر، وإلا كان الواجب عليهما بعد أن سمعا من فاطمة (عليها السلام) تقول: أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ارضاءهما إياها بوجه يناسب الخطيئة، فإن كان خطأهما من سوء الأدب فقط، فالندامة الصادقة وإظهارها حينئذ كان سببا للقبول البتة، لأنها كانت عالمة بأن أعظم الخطيئة الذي هو الكفر والشرك يغفر بالتوبة، فكيف لا يقبل ولا تعفو مع التوبة الكاملة التي استوفت شرائطها، وإن كان يظلمها فرد الظلامة مع الندامة الصادقة، وإصرارها (عليها السلام) في عدم الرضا دال على عدم تحقق شرائط التوبة.
فإن قلت: نختار الأول بدليل أن الأمر الدنيوي كان أحكم من أن يختل بعدم الاعتذار، فالاعتذار إنما نشأ من محض التوبة، فلو كان خطأهما لأجل الظلامة بانفرادها أو بضميمة سوء الأدب كانا يتداركان ما يحتاج إليه، لأن ما نقل من