مراتب العدالة يمكن اجتماعها مع هذه الأفعال حتى يتوهم اجتماع الإمامة معها؟
وقول أبي ذر " لئن أرضي الله بسخط عثمان " الخ يدل على عدم كونه مأمورا بالتقية التامة، ولعله كان مأمورا بإظهار بعض قبائح عثمان، لزيادة الوضوح في الحجة والبطلان، وكما يجوز اختلاف الأئمة في التقية للمصالح الخفية ببيان النبي (صلى الله عليه وآله) كذلك يجوز اختلاف من أطاع النبي (صلى الله عليه وآله) من الصحابة فيها.
وإنكار أبي ذر على كعب الأحبار يدل على عدم جواز الأخذ، فكان الواجب على عثمان تصديق أبي ذر وتدارك ما حكم أبو ذر بعدم جوازه، وإرادة عدم المعاودة إلى مثله، لا إخراجه من جوار رسول الله (صلى الله عليه وآله) خوفا من انتشار القبائح، وإنكارا لكلام أبي ذر الذي يؤول إلى إنكار كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولو فرض عدم وجوب تصديق كلام أبي ذر بمجرد السماع منه لا معنى لتكذيبه بمجرده، فبأي وجه يوجه تبعة عثمان إخراج أبي ذر بمجرد التكلم بكلام لم يوافق هواه من غير تفتيش من أبي ذر وجه تخطأته كعب الأحبار؟ هذا من جملة الدلائل الدالة على كون مقصوده الغلبة والاستيلاء بأي وجه تيسر.
وبعد كتابة معاوية إلى عثمان ما كتبه في أمر أبي ذر، كان الواجب على عثمان منع معاوية عن فعل ما نهى عنه أبو ذر، وأمره بالتوبة فيما يكفي في التوبة، والأمر بالتدارك أيضا فيما احتاج إليه، لو آنس من معاوية رشدا، وإلا عزله ونصب من يظن منه الخير، لا قوله " أما بعد فاحمل جندبا " الخ الذي يشتمل على إهانة من عظمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بل على تكذيب من صدقه (صلى الله عليه وآله) ولا إخراجه بعد قدومه الذي هو قباحة على قباحة على قباحة.
وما يشتمل عليه الرواية الأولى من الواقدي أشنع، لأن أمير المؤمنين (عليه السلام) صدق أبا ذر بالحديث المشهور من النبي (صلى الله عليه وآله) وصدقه جميع الحاضرين، لثبوت الرواية لهم بحيث لم تكن قابلة للشك أصلا، وإلا لتكلم فيها عثمان، كما تشهد به