جعل أبو ذر يقول: بشر الكافرين بعذاب أليم، ويتلو قوله تعالى * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) * فرفع مروان ذلك إلى عثمان، فأرسل إلى أبي ذر نائلا مولاه أن انته عما يبلغني عنك.
فقال: أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله تعالى؟ وعيب من ترك أمر الله، فوالله لأن أرضي الله بسخط عثمان أحب إلي وخير من أن أرضي عثمان بسخط الله، فأغضب عثمان ذلك وأحفظه، فتصابر.
وقال عثمان يوما: أيجوز للإمام أن يأخذ من المال فإذا أيسر قضاه؟ فقال كعب الأحبار: لا بأس بذلك، فقال له أبو ذر: يا بن اليهوديين أتعلمنا ديننا؟ فقال عثمان:
قد كثر أذاك لي وتولعك بأصحابي ألحق بالشام، فأخرجه إليها، فكان أبو ذر ينكر على معاوية أشياء يفعلها، فبعث إليه معاوية ثلاثمائة دينار، فقال أبو ذر: إن كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها، وإن كانت صلة فلا حاجة لي فيها وردها عليه.
وبنى معاوية الخضراء بدمشق، فقال أبو ذر: يا معاوية إن كانت هذه من مال الله فهي الخيانة، وإن كانت من مالك فهي الاسراف. وكان أبو ذر (رحمه الله) يقول: والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هي في كتاب الله ولا سنة نبيه، والله أني لأرى حقا يطفئ، وباطلا يحيى، وصادقا مكذبا، وأثرة بغير تقى، وصالحا مستأثرا عليه، فقال حبيب بن سلمة الفهري: إن أبا ذر لمفسد عليكم الشام، فتدارك أهله إن كانت لكم فيه حاجة، فكتب معاوية إلى عثمان فيه.
فكتب عثمان إلى معاوية: أما بعد فاحمل جندبا على أغلظ مركب وأوعره، فوجه به مع من سار به الليل والنهار. وحمله على شارف ليس عليها إلا قتب حتى قدم المدينة، وقد سقط لحم فخذيه من الجهد، فلما قدم أبو ذر المدينة، بعث إليه عثمان أن ألحق بأي أرض شئت، فقال: بمكة، قال: لا، قال: فبيت المقدس، قال: لا، قال: