وبعدها عن الخيرات ولم يكن بمنزل مثله.
فأما قوله " أنه أشفق عليه من أن يناله بعض أهل المدينة بمكروه من حيث كان يغلظ له القول " فليس بشئ يعول عليه، لأنه لم يكن في أهل المدينة إلا من كان راضيا بقوله عاتبا بمثل عتبه، إلا أنهم كانوا بين مجاهد بما في قلبه، ومخف ما عنده، وما في أهل المدينة إلا من رثى مما حدث على أبي ذر واستفظعه، ومن رجع إلى كتب السيرة عرف ما ذكرناه.
فأما قوله " أن الله تعالى والرسول ندبا إلى خفض الجناح ولين القول للمؤمن والكافر، فهو كما قال إلا أن هذا أدب كان ينبغي أن يتأدب به عثمان في أبي ذر ولا يقابله بالتكذيب، وقد قطع الرسول (صلى الله عليه وآله) على صدقه، ولا يسمعه مكروه الكلام، وإنما نصح له وأهدى إليه عيوبه، وعاتبه على ما لو نزع عنه لكان خيرا له في الدنيا والآخرة (1) انتهى كلامه رفع الله مقامه.
قد ظهر لك من النظر السابع من الأنظار الثمانية على الدليل الأول على إمامة أبي بكر، ومما نقله السيد عن الواقدي، صدق أبي ذر في الأقوال، فقوله " بشر الكافرين بعذاب أليم " تعريضا بعثمان يدل على كفر عثمان، وقوله " والذين يكنزون الذهب والفضة " يدل على استحقاق عثمان للعذاب الأليم.
وكان الواجب عليه التوبة من أفعاله الشنيعة، ولم يكن يجوز له إرسال مولاه إلى أبي ذر وأمره بالانتهاء عما يبلغه من الاصرار في أفعاله الشنيعة، بل هذا الارسال مثل سائر أفعاله في غاية الشناعة، لأن طريقة طالب النجاة، والراعي لمسلك الرشد والسداد، الانتهاء عن المنكر إذا نهاه عالم به، لا الأمر بالانتهاء عن المذمة التي هي بمعنى النهي عند الاصرار في المنكر قصدا لعدم الانتشار أو تقليله، فأي مرتبة من