وقال في موضع آخر: وفي حديثه أنه خرج ليلة في شهر رمضان والناس أوزاع، فقال: إني لأظن لو جمعناهم على قارئ واحد كان أفضل، فأمر أبي بن كعب فأمهم ، ثم خرج ليلة وهم يصلون بصلاته، فقال: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عليها (1) أفضل من التي يقومون. قال: الأوزاع الفرق، يريد أنهم كانوا يصلون فرادى، يقال: وزعت المال بينهم أي: فرقته. وقوله " والتي ينامون عليها أفضل " يريد صلاة أخر الليل فإنها خير من أوله (2) انتهى.
يظهر من قول عمر " إني أظن لو جمعناهم على قارئ واحد كان أفضل " غاية الجرأة في أمر الدين وعدم المبالاة به، لعدم استقلال العقل في أمثال هذه الأمور، مع أن هذا القول مخالف لما روى زيد بن ثابت عن النبي (صلى الله عليه وآله) في قوله (صلى الله عليه وآله) " فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة " كما يجئ، لأنه (صلى الله عليه وآله) حكم بكون هذه الصلاة في البيت أفضل.
والظاهر من الخبر الانفراد أيضا بوجهين:
أحدهما: عدم فهم أحد منه الجماعة، وإلا لفعلها جماعة بعض الصحابة قبل أن يأمر بها عمر، وتركها معروف بين الصحابة، كما يظهر من خبر أبي هريرة الآتي، ويعترف به ابن أبي الحديد وغيره.
والثاني: أمره (صلى الله عليه وآله) بإقامتها في البيت، لأن هذا الأمر أمر بعدم الاعلان كما لا يخفى، ولا يطلب الجماعة فيما لا يطلب فيه الاعلان، وبعض الصلوات المستحبة التي شرع فيها الجماعة طلب فيها الاعلان أيضا، فلو كان عمر طالبا للتأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله) لكان يأمر من يصلي هذه الصلاة بالمسجد بإقامتها في البيت، طلبا للفضيلة، ومراعاة لما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) فما فعله عمر مخالفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله)