الله تعالى لم يبعث نبيا إلا بعد الأربعين، قلت: يا أمير المؤمنين أما أهل الحجى والنهى، فإنهم ما زالوا يعدونه كاملا منذ رفع الله منار الإسلام، ولكنهم يعدونه محروما مجدودا (1).
فقال: أما أنه سيليها بعد هياط ومياط، ثم تزل فيها قدمه ولا يقضي منها إربه، ولتكونن شاهدا ذلك يا عبد الله، ثم يتبين الصبح لذي عينين، وتعلم العرب صحة رأي المهاجرين الأولين الذين صرفوها عنه بادئ بدء، فليتني أراكم بعدي يا عبد الله أن الحرص محرمة، وأن دنياك كظلك كلما هممت به ازداد عنك بعدا. نقلت هذا الخبر من أمالي أبي جعفر محمد بن حبيب (2) انتهى.
وفيه أمور: أحدها: نسبة الرياء إلى من أراد الله تطهيره، وأخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأن منزلته منه منزلة هارون من موسى، وبكونه ولي كل مؤمن بعده، وورد في شأنه غيرها من الآيات والأخبار الدالة على كمال جلالته عند الله تعالى، فهذه النسبة افتراء صرف، بل عدم مبالاة بالكتاب والسنة.
وثانيها: شهادة ابن عباس بترشيح رسول الله (صلى الله عليه وآله) إياه للخلافة، ولم يكن لعمر جواب في مقابله، وإلا لاقتضى الداعي وعدم المانع بيان عدم الترشيح، ولا أقل من منعه، ولعله لم يتكلم فيه خوفا من زيادة التفضيح.
وثالثها: رد عمر ما جعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام) باستصغار السن الذي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعلم به، وهذا تخطأة من عمر لرسول الله (صلى الله عليه وآله) واستدلال منه على هذا القول بأن الله تعالى لم يبعث نبيا إلا بعد أربعين، ومع ظهور شناعة رد كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعدم اطلاعنا على المصلحة فيما أمره وظن المفسدة فيه، هذا الكلام في غاية الضعف، لانتقاضه بيحيى وعيسى (عليهما السلام) ومنع تساوي