وهاهنا أمر آخر وهو: أنه أوصى بثلاث وصايا بعد الأمر باكتسابه، فلم لم يجوز أن تكون مثل الكتابة؟ وأيضا الكتابة التي أمرها أبو بكر لاستخلاف عمر كانت عند شدة وجعه، فلم لا يجوز كون هذا الأمر وما أمر به هذيانا، مع أنه لم يكن كلامه عند الصحة حجة، ولم يكن لنا دليل على عدم تطرق الهذيان إليه، ولنعم ما قال بعضهم في هذا المعنى:
أوصى النبي وقال قائلهم * قد ظل يهجر سيد البشر ورأوا أبا بكر أصاب ولم * يهجر وقد أوصى إلى عمر فإن قلت: لما كثر اللغط بقول عمر وغيره وأخرج الحاضرون، لم لم يأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بإحضار جماعة راعين ما ظهر من القرآن من وجوب إطاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وترك رفع الصوت عنده؟ حتى يكتب الكتاب المقصود بحضورهم، ويثبت ما كتب لغير الحاضرين بشهادة الحاضرين؟
قلت: لعل المانع علمه (صلى الله عليه وآله) بعدم انتظام الأمر، لأن مقصود عمر من نسبة الهجر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) تسهيل إنكار ما أراد إنكاره، ولو فرض كتابة ما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كتابته بعد قول عمر بل قبل قوله لم ينتظم الأمر، لأن نسبة عمر هذا الأمر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مشافهة وتصديق بعض السامعين إياه فيما نسب، أو في كفاية كتاب الله، أقبح وأشنع من هذه النسبة والتصديق بعد الوفاة، لأنهما وإن اشتركا في قباحة ترك رعاية مقتضى النبوة، لكن المشافهة مختصة بمنع الحياء.
ألا ترى أن الحياء يمنع عن نسبة هذا الأمر إلى أوساط الناس مشافهة إذا جوز إدراكهم هذا الكلام، ومع هذا لم يمنعهم الحياء من نسبة هذا الأمر إلى سيد الأنبياء وتصديق عمر مشافهة، أتظن مبالاتهم في نسبة هذا الأمر والإصرار فيها بعد وفاته، فأمره (صلى الله عليه وآله) بالكتابة إنما هو لتكثير الأدلة الدالة على مستحق الأمر، ولعله (صلى الله عليه وآله) كان عالما بأنه إن كتب ما أراد كتابته، ردوه بهذه النسبة، فيشيع بين أهل