وإذا عرفت الإشارات ومراتب جلالة فاطمة (عليها السلام) بما أشرت إليه في ضمن بعض مطاعن الأول، علمت دلالتها على بطلان خلافة الأول دلالة قطعية.
ومع هذا نقول: كان المقام يقتضي لو لم يكن أبو بكر عامدا بالظلم والعدوان أن يقول لها: يا خير النساء وابنة خير الأنبياء، يدل كلامك على خطانا في خوف الفتنة، وإنا لم نرع في فعلنا مقتضى زواجر كتاب الله وشواهده وأوامره، وأنت وارثة الهداية والرشاد، وحقنا الإطاعة والانقياد، فبيني لنا تفصيل ما أجملته حتى نسمعه ونطيعه، فلما طوى عن ذكره كشحا، ولم يتكلم من هذا القبيل أصلا، وافتعل الرواية التي تشهد على كذبها أمور لا تحتاج إلى البيان، ولم يصدر منه ما يوجب رضاها، لم يصح دعوى رضاها من سكوت فاطمة (عليها السلام) في المجلس.
ومع ظهور استمرار غضبها نقول: لو فرض صدق أبي بكر في الخبر لعلمت بصدقه، ولو فرض عدم علمها به لجوزت الصدق البتة، وعلى التقديرين كان يجب عليها معذرة أبي بكر بأن لم أعرف أن منعك من الإرث كان ناشئا عما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكنت مطيعا له وراعيا لما سمعت منه (صلى الله عليه وآله) في منعنا الإرث، وقلت ما قلت لإطاعتك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهذه الأمور التي نسبتها إليك من الزلات العظيمة التي نشأت من غفلتي وغفلة باب مدينة العلم، وإلا أعلمني حتى لا يصدر مني ما صدر، فأرجو عفوك عما سمعت مني، وصفحك عما نسبته إليك، حتى يظهر على الحضار وعلى من يصل إليه مقالاتها أن ما صدر منها (عليها السلام) كان ناشئا من عدم اطلاعها وعدم اطلاع باب مدينة العلم على المسألة المتعلقة بإرثها، ولم يكن (عليه السلام) عالما بالمسألة حتى يمنعها عن هتك عرض الخليفة، وعدم رعاية مرتبته، الناشيين من اتهامها البرئ عن المعاصي، المطيع لله ولرسوله في إطاعة الله ورسوله بأمور لا يليق بأحد من المسلمين.
وبالجملة كما أن التكلم بمثل هذا الكلام عن مثل فاطمة (عليها السلام) يدل دلالة قطعية