القوم، وهدأت فورتهم، افتتحت كلامها بالحمد لله عز وجل والثناء عليه والصلاة على رسوله (صلى الله عليه وآله).
ثم قالت: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم، فإن تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم (1)، وأخا ابن عمي دون رجالكم، فبلغ الرسالة، صادعا بالنذارة، مائلا عن سنن المشركين، ضاربا ثبجهم، يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، آخذا بأكظام المشركين، يهشم الأصنام، ويفلق الهام، حتى انهزم الجمع، وولوا الدبر، وحتى تفرى الليل عن صبحه، وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشيطان، وتمت كلمة الاخلاص.
وكنتم على شفا حفرة من النار، نهزة الطامع، مذقة الشارب، وقبسة العجلان، وموطأ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون القد أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، حتى أنقذكم الله عز وجل برسوله (صلى الله عليه وآله) بعد اللتيا والتي، وبعد أن مني ببهم الرجال، وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن للشيطان، أو فغرت للمشركين فاغرة، قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفي حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويطفئ عادية لهبها بسيفه، أو قالت يخمد لهبها بحده، مكدودا في ذات الله، وأنتم في رفاهية فكهون آمنون وادعون. إلى هاهنا انتهى خبر أبي العينا عن ابن عائشة.
وزاد عروة بن الزبير عن عائشة: حتى إذا اختار الله لنبيه دار أنبيائه، ظهرت حسكة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الآفكين الأولين، وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان صارخا بكم،