الصلحاء والعلماء الذين قطعوا أوقاتهم المتطاولة في العبادات، ولو جاز الابتداء بمثل ذلك لجاز التسوية بينهما.
لا يقال: هذا مستمر في من علم الله أنه يؤمن، ولا يستمر في من علم الله أنه يكفر. لأنا نقول: الحالان واحدة، لأنهما متساويان في التعريض للنفع، والتفاوت لا يحصل إلا من سوء نظر (98) الكافر لنفسه، لأنا نعلم حسن التعريض للمنافع، والإلزام بالمصالح لمن نعلم إجابته وامتناعه.
لا يقال: لو فعل الإيمان مع علم الله أنه لا يؤمن لانقلب علمه تعالى جهلا. لأنا نقول: العلم تابع للمعلوم، فمن علم الله منه الإيمان تعلق علمه باختياره، وكذلك إذا علم الله أنه يختار الكفر. فقولهم: " كان ينقلب "، فرض مستحيل على هذا التقرير، لأن أي فعل وقع من المكلف كان هو الذي تعلق العلم به، فلا يعرض في العلم الانقلاب، فكأنهم غلطوا فظنوا أن الله يعلم قيام زيد، ثم فرضوا أنه لا يقوم، وهو من أفحش الغلط، فإنه بتقدير أن لا يقوم يكون هو المعلوم لا القيام.
ثم نقول لهم: قد أخبر الله تعالى الملائكة أنه خالق بشرا من طين، (99) فهذا الإخبار أخرج البارئ من كونه قادرا بحيث يستحيل أن لا يفعله، أو يكون الاقتدار باقيا، ويلزم من الأول كون البارئ موجبا، لأن جميع أفعاله معلومة قبل وقوعها، ومن الثاني نقض ما أوردوه، فتعين أن علم الله تعالى بأن