الإشكال يندفع احتجاجهم المذكور. (129) وإذا تقرر ذلك فنقول للتناسخية: إن الواحد منا يعلم علما اضطراريا، أنه لو كان موجودا قبل القرن الذي هو الآن موجود فيه، لوجب أن يكون ذاكرا لشئ من حوادثه.
لا يقال: اختلاف الأبدان مانع من الذكر: لأنا نقول: قد بينا أن المكلف هو الأجزاء الأصلية التي في هذا الشخص المبنية بنيته، فلو كان موجودا قبل لك، لوجب أن يكون ذاكرا لحوادثه السالفة، لأن حقيقته موجودة في الحالين.
ثم يقال لهم: لو لم يحسن الألم من دون الاستحقاق، للزم أن يكون قبل كل استحقاق استحقاق، فالسبب الأول يجب أن يكون من غير استحقاق.
فإن قالوا: ذلك السبب تكليف. قلنا: فالتكليف ألم، وكما جاز أن يفعل العوض من غير استحقاق فكذلك ما يبتدئ به من الألم.
ثم نعود إلى تحقيق القول في ما يبتدئ به الله تعالى من الألم مع غير هذا الفريق. فنقول: أما الآلام التي تفعل بالعقلاء فقد يكون للاستحقاق مثل أن يعجل الله تعالى بعض العقاب المستحق في دار الدنيا.
وما ليس بمستحق منها، اختلف في وجه حسنه، فكذلك الآلام التي تفعل بالصبيان والمجانين والبهائم، فذهب قوم إلى أنها تفعل لمجرد العوض،