و الثاني: عدالة الناقلين كما تعتبر عدالتهم في الشرعيات.
و الثالث: أن يكون النقل عمن قوله حجة في أصل اللغة، كالعرب العاربة مثل قحطان و معد وعدنان، فأما إذا نقلوا عمن بعدهم بعد فساد لسانهم واختلاف المولدين فلا.
و الرابع: أن يكون الناقل قد سمع منهم حسا وأما بغيره فلا.
و الخامس: أن يسمع من الناس حسا. انتهى.
و من الشطط أن يظن الناس أن كل عربي فصيح يحتج بلغته، ولقد ثبت أن الراسخين في فهم اللغة وفحصها ونوادرها وحوشيها كانوا يجهلون معاني كثير من الألفاظ (1)، وذلك يعود إلى سعة اللغة العربية وصعوبة الإحاطة بها، يقول ابن فارس في فقه اللغة: قال بعض الفقهاء كلام العرب لا يحيط به إلا نبي، قال ابن فارس: وهذا كلام حري أن يكون صحيحا، وما بلغنا أن أحدا ممن مضى ادعى حفظ اللغة كلها (2).
و هذا الذي نقله عن بعض الفقهاء نص عليه الإمام الشافعي فقال في أوائل الرسالة:
لسان العرب أوسع الألسنة مذهبا، وأكثرها ألفاظا، ولا نعلم أن يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي (3).
و طبيعي في اللغة العربية التي تتفق مع أخوات لها في كثير من القواعد والصيغ و التراكيب، فلا يسع أحدا أن يسلم لسانه من الخطأ في كل ما ينطق به إلا الرسل (ص) وإلا الأقحاح من العرب (4).
و اشتراك العربية في النسب مع شقيقاتها في النسب ثم مجاورة القبائل العربية لغير العرب جعلا الباب مفتوحا للدخيل، وحيث أن الموجبات البشرية التي انتقلت إلى الجزيرة العربية أثرت في اللغة العربية وأمدتها بكلمات، ونقلت معها عادات وآثارا من علم وحضارة عبروا عنها بألفاظ لم تكن معروفة عند العرب.
هذه الحروف والألفاظ ذات الأصول العجمية، سقطت إلى العرب، فأعربتها بألسنتها، و حولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها، فصارت عربية، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب. قال أبو عبيدة: فمن قال: إنها عربية فهو صادق، ومن قال: عجمية،