و المنكر أضعف منه وأقل استعمالا.
و المتروك ما كان قديما من اللغات ثم ترك واستعمل غيره.
و أما الفصيح من اللغة، ففي المزهر ما نصه: المفهوم من كلام ثعلب أن مدار الفصاحة على كثرة استعمال العرب لها، انتهى. ومثله قال القزويني في الإيضاح. وقالوا أيضا: الفصاحة في المفرد خلوصه من تنافر الحروف ومن الغرابة، ومن مخالفة القياس اللغوي، وبيان ذلك مذكور في محله.
قال ابن دريد في الجمهرة واعلم أن أكثر الحروف استعمالا عند العرب الواو والياء والهمزة، وأقل ما يستعملون لثقلها على ألسنتهم الظاء، ثم الذال، ثم الثاء، ثم الشين، ثم القفا، ثم الخاء، ثم العين، ثم النون، ثم اللام، ثم الراء، ثم الباء، ثم الميم، فأخف هذه الحروف كلها [ما] استعملته العرب في أصول أبنيتهم من الزوائد، لاختلاف المعنى، انتهى.
و في عروس الأفراح: رتب الفصاحة منها متقاربة، فإن الكلمة تخف وتثقل بحسب الانتقال من حرف إلى حرف لا يلائمه قربا أو بعدا، فإن كانت الكلمة ثلاثية فتراكيبها اثنا عشر فذكرها، ثم قال: وأحسن هذه التراكيب وأكثرها استعمالا ما انحدر فيه من الأعلى إلى الأوسط إلى الأدنى، ثم ما انتقل فيه من الأوسط، إلى الأدنى إلى الأعلى، ثم من الأعلى إلى الأدنى، وأقل الجميع استعمالا ما انتقل فيه من الأدنى إلى الأعلى إلى الأوسط، هذا إذا لم ترجع إلى ما انتقلت عنه، فإن رجعت فإن كان الانتقال من الحرف إلى الحرف الثاني في انحدار من غير طفرة، والطفرة الانتقال من الأعلى إلى الأدنى أو عكسه، كان التركيب أخف وأكثر، وإلا كان أثقل وأقل استعمالا. فيه أيضا أن الثلاثي أفصح من الثنائي والأحادي، ومن الرباعي والخماسي انتهى. وذكر حازم القرطاجني وغيره: من شروط الفصاحة أن تكون الكلمة متوسطة من قلة الحروف وكثرتها، والمتوسطة ثلاثة أحرف.
المقصد الخامس في بيان الأفصح قال أبو الفضل: أفصح الخلق على الإطلاق سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه ولم قال صلى الله عليه وسلم: " انا افصح العرب " رواه أصحاب الغريب، ورواه أيضا بلفظ " أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش " وإن تكلم في الحديث.
و نقل عن أبي الخطاب بن دحية: اعلم أن الله تعالى لما وضع رسول صلى الله عليه وسلم موضع البلاغ من وحيه، ونصبه منصب البيان لدينه، اختار له من اللغات أعربها، ومن الألسن أفصحها وأبينها، ثم أمده بجوامع الكلم، انتهى.
ثم قال: وأفصح العرب قريش، وذلك لأن الله تعالى اختارهم من جميع العرب، واختار منهم محمدا صلى الله عليه وسلم، فجعل قريشا سكان حرمه وولاة بيته، فكانت وفود العرب من حجاجها وغيرهم يفدون إلى مكة للحج، ويتحاكمون إلى قريش، وكانت قريش مع فصاحتها، وحسن لغاتها، ورقة ألسنتها، إذا أتتهم الوفود من العرب تخيروا من كلامهم وأشعارهم أحسن لغاتهم، وأصفى كلامهم، فاجتمع ما تخيروا من تلك اللغات إلى سلائقهم التي طبعوا عليها، فصاروا بذلك أفصح العرب، ألا ترى أنك لا تجد في كلامهم عنعنة تميم ولا عجرفة قيس ولا كشكشة أسد ولا كسكسة ربيعة.
قلت: قال الفراء.
العنعنة في قيس وتميم تجعل الهمزة المبدوءة بها عينا فيقولون في إنك عنك وفي أسلم عسلم.
و الكشكشة في بيعة ومضر يجعلون بعد كاف الخطاب في المؤنث شينا، فيقولون رأيتكش ومررت بكش.
و الكسكسة فيهم أيضا يجعلون بعد الكاف أو مكانها سينا في المذكر.
و الفحفحة في لغة هذيل يجعلون الحاء عينا.
و الوكم والوهم كلاهما في لغة بني كلب، من الأول يقولون عليكم وبكم، حيث كان قبل الكاف ياء أو كسرة، ومن الثاني يقولون منهم وعنهم وإن لم يكن قبل الهاء ياء ولا كسرة.