قال ابن دريد في خطبة كتابه (1): قد ألف أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفرهودي كتاب العين، فأتعب من تصدى لغايته، وعنى من سما إلى نهايته، فالمنصف له بالغلب معترف، والمعاند متكلف، وكل من بعده له تبع، أقر بذلك أم جحد، ولكنه ألف كتابه مشاكلا لثقوب فهمه، وذكاء فطنته، وحدة أذهان أهل دهره.
و أملينا هذا الكتاب والنقص في الناس فاش، والعجز لهم شامل إلا خصائص كدراري النجوم في أطراف الأفق، فسهلنا وعره، ووطأنا شأزه، وأجريناه على تأليف الحروف المعجمة، إذ كان بالقلوب أعلق، وفي الأسماع أنفذ، وكان علم العامة بها كعلم الخاصة.
و ألغينا المستنكر الوحشي، واستعملنا المعروف، وسميناه كتاب الجمهرة لأنا اخترنا له الجمهور من كلام العرب، وأرجأنا الوحشي المستنكر.
أما ابن فارس فقد حاول هو الآخر التخلص من مدرسة العين، لكنه لم يستطع، فقد تبع العين في بعض الخطوط التي خطها الخليل، منها أن ابن فارس قسم معجمه بحسب الأبنية (2).
و سار ابن فارس في ترتيب معجميه " المجمل " و " المقاييس " على ترتيب حروف الهجاء فهو لم يرتب موادهما على أوائل الحروف وتقليباتها كما صنع ابن دريد في الجمهرة ولم يطردها على أبواب أواخر الكلمات كالجوهري في الصحاح، ولكنه سلك طريقا خاصا به، و أما منهجه وطريقته فقد صرح به في مقدمة مقاييس اللغة يقول (3): إن اللغة العرب مقاييس صحيحة وأصولا تتفرع منها فروع. وقد ألف الناس في جوامع اللغة ما ألفوا، ولم يعربوا في شيء من ذلك عن مقياس من تلك المقاييس، ولا أصل من الأصول. وقد صدرنا كل فصل بأصله الذي يتفرع منه مسائله، حتى تكون الجملة الموجزة شاملة للتفصيل، ويكون المجيب عما يسأل عنه مجيبا عن الباب المبسوط بأوجز لفظ وأقربه ".
و يتلخص طريقه ب:
أ - قسم مواد اللغة إلى كتب، تبدأ بكتاب الهمزة وتنتهي بكتاب الياء.
ب - قسم كل كتاب إلى أبواب ثلاثة أولها باب الثنائي المضاعف والمطابق، وثانيها أبواب الثلاثي الأصول من المواد، وثالثها باب ما جاء على أكثر من ثلاثة أحرف أصلية.