لسان العرب - ابن منظور - ج ١٣ - الصفحة ٢١٥
أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال، فلم يترك له سبد فأثبت أن للفقير حلوبة وجعلها وفقا لعياله، قال: وقول مالك في هذا كقول يونس. وروي عن الأصمعي أنه قال: المسكين أحسن حالا من الفقير، وإليه ذهب أحمد بن عبيد، قال: وهو القول الصحيح عندنا لأن الله تعالى قال: أما السفينة فكانت لمساكين، فأخبر أنهم مساكين وأن لهم سفينة تساوي جملة، وقال للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض: يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا، فهذه الحال التي أخبر بها عن الفقراء هي دون الحال التي أخبر بها عن المساكين. قال ابن بري: وإلى هذا القول ذهب علي بن حمزة الأصبهاني اللغوي، ويرى أنه الصواب وما سواه خطأ، واستدل على ذلك بقوله: مسكينا ذا متربة، فأكد عز وجل سوء حاله بصفة الفقر لأن المتربة الفقر، ولا يؤكد الشئ إلا بما هو أوكد منه، واستدل على ذلك بقوله عز وجل: أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر، فأثبت أن لهم سفينة يعملون عليها في البحر، واستدل أيضا بقول الراجز:
هل لك في أجر عظيم تؤجره، تغيث مسكينا قليلا عسكره، عشر شياه سمعه وبصره، قد حدث النفس بمصر يحضره.
فأثبت أن له عشر شياه، وأراد بقوله عسكره غنمه وأنها قليلة، واستدل أيضا ببيت الراعي وزعم أنه أعدل شاهد على صحة ذلك، وهو قوله:
أما الفقير الذي كانت حلوبته لأنه قال: أما الفقير الذي كانت حلوبته ولم يقل الذي حلوبته، وقال:
فلم يترك له سبد، فأعلمك أنه كانت له حلوبة تقوت عياله، ومن كانت هذه حاله فليس بفقير ولكن مسكين، ثم أعلمك أنها أخذت منه فصار إذ ذاك فقيرا، يعني ابن حمزة بهذا القول أن الشاعر لم يثبت أن للفقير حلوبة لأنه قال: الذي كانت حلوبته، ولم يقل الذي حلوبته، وهذا كما تقول أما الفقير الذي كان له مال وثروة فإنه لم يترك له سبد، فلم يثبت بهذا أن للفقير مالا وثروة، وإنما أثبت سوء حاله الذي به صار فقيرا، بعد أن كان ذا مال وثروة، وكذلك يكون المعنى في قوله:
أما الفقير الذي كانت حلوبته.
أنه أثبت فقره لعدم حلوبته بعد أن كان مسكينا قبل عدم حلوبته، ولم يرد أنه فقير مع وجودها فإن ذلك لا يصح كما لا يصح أن يكون للفقير مال وثروة في قولك: أما الفقير الذي كان له مال وثروة، لأنه لا يكون فقيرا مع ثروته وماله فحصل بهذا أن الفقير في البيت هو الذي لم يترك له سبد بأخذ حلوبته، وكان قبل أخذ حلوبته مسكينا لأن من كانت له حلوبة فليس فقيرا، لأنه قد أثبت أن الفقير الذي لم يترك له سبد، وإذا لم يكن فقيرا فهو إما غني وإما مسكين، ومن له حلوبة واحدة فليس بغني، وإذا لم يكن غنيا لم يبق إلا أن يكون فقيرا أو مسكينا، ولا يصح أن يكون فقيرا على ما تقدم ذكره، فلم يبق أن يكون إلا مسكينا، فثبت بهذا أن المسكين أصلح حالا من الفقير، قال علي بن حمزة: ولذلك بدأ الله تعالى بالفقير قبل من تستحق الصدقة من المسكين وغيره، وأنت إذا تأملت قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين، وجدته سبحانه قد
(٢١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 حرف النون فصل الألف 3
2 فصل الباء الموحدة 45
3 فصل التاء المثناة فوقها 71
4 فصل الثاء المثلثة 76
5 فصل الجيم 84
6 فصل الحاء المهملة 104
7 فصل الخاء المعجمة 136
8 فصل الدال المهملة 146
9 فصل الذال المعجمة 171
10 فصل الراء 175
11 فصل الزاي 193
12 فصل السين المهملة 203
13 فصل الشين المعجمة 230
14 فصل الصاد المهملة 244
15 فصل الضاد المعجمة 251
16 فصل الطاء المهملة 263
17 فصل الظاء المعجمة 270
18 فصل العين المهملة 275
19 فصل الغين المعجمة 309
20 فصل الفاء 317
21 فصل القاف 329
22 فصل الكاف 352
23 فصل اللام 372
24 فصل الميم 395
25 فصل النون 426
26 فصل الهاء 430
27 فصل الواو 441
28 فصل الياء المثناة تحتها 455
29 حرف الهاء فصل الهمزة 466
30 فصل الباء الموحدة 475
31 فصل التاء المثناة فوقها 480
32 فصل التاء المثلثة 483
33 فصل الجيم 483
34 فصل الحاء المهملة 487
35 فصل الدال المهملة 487
36 فصل الذال المعجمة 491
37 فصل الراء المهملة 491
38 فصل الزاي 494
39 فصل السين المهملة 494
40 فصل الشين المعجمة 503
41 فصل الصاد المهملة 511
42 فصل الضاد المعجمة 512
43 فصل الطاء المهملة 512
44 فصل العين المهملة 512
45 فصل الغين المعجمة 521
46 فصل الفاء 521
47 فصل القاف 530
48 فصل الكاف 533
49 فصل اللام 538
50 فصل الميم 539
51 فصل النون 546
52 فصل الهاء 551
53 فصل الواو 555
54 فصل الياء المثناة تحتها 564