وطبيعي أن الإنسان يبدأ بالتفاعل مع الحياة، ويؤثر على المجتمع اعتبارا من عقده الثاني، هذا إذا كان صاحب مواهب وإبداعات فكرية.
لكننا نرى إمامنا جواد الأئمة صلوات الله عليه وهو في مطلع هذه المرحلة من العمر قد شكل تاريخا حافلا بالأحداث والمواقف الباهرة والكرامات العجيبة. ومع ذلك فإنني أعتقد - وهو اعتقاد كثير من المؤرخين والباحثين - أن ما ورد عنه (عليه السلام)، وما نقلته كتب التاريخ والحديث، لا يعدو كونه فقرة من فقرات حياته القصيرة والمليئة بالحوادث الكبيرة، فلا شك أن كثيرا من تراث أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وجوانب مهمة من حياتهم (عليهم السلام) قد ضاعت، أما حرقا أو صودرت من قبل الناصبين بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) العداء، هذا من ناحية المدونات التاريخية والحديثية، أو أنها بقيت حبيسة صدور أصحاب الأئمة وشيعتهم حتى قضى عليهم حكام الجور الظلمة، الذين كانوا يتتبعون آثار أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ليطمسوها، ويلاحقون أصحابهم وشيعتهم قتلا وسجنا وتشريدا.
ولا يخفى أن الحكام العباسيين الذين تعاقبوا على الحكم بعد المعتصم الذي استدعى الإمام الجواد (عليه السلام) إلى بغداد، ثم دبر أمر قتله بالسم بواسطة زوجه أم الفضل، كانوا لا يتوانون في طمس آثار ومعالم آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، خاصة المتوكل الحاقد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبنائه من السادة العلويين، حتى ورد في الأخبار أنه قام بحرث قبر الإمام الحسين (عليه السلام)، وفتح ماء الفرات عليه، فحار الماء حول القبر الشريف. وقد ظن أنه يستطيع بعمله هذا أن يمحو آثار وذكر أهل البيت (عليهم السلام).
وبموت هذا الطاغية تنفس العلويون الصعداء، وشعروا بتخفيف الوطأة، ورفع كابوس الإرهاب، والمطاردة، والتنكيل عنهم.
وهذا الذي ذكرناه إنما هو نموذج على سبيل المثال لا الحصر، ولو اطلعت على التاريخ الحقيقي لما عاناه أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم؛ لهالتك المشاهد،