فلما صلينا الظهر وجدت حسا من ورائي، فالتفت، فإذا أبو جعفر (عليه السلام) فسرت إليه حتى قبلت يده، ثم جلس وسأل عن مقدمي، ثم قال: " سلم ".
فقلت: جعلت فداك، قد سلمت.
فأعاد القول ثلاث مرات: " سلم! ".
وقلت: ذاك ما قد كان في قلبي منه شيء.
فتبسم وقال: " سلم " فتداركتها، وقلت: سلمت ورضيت يا بن رسول الله.
فأجلى الله ما كان في قلبي حتى لو جهدت ورمت لنفسي أن أعود إلى الشك ما وصلت إليه.
فعدت من الغد باكرا، فارتفعت عن الباب الأول، وصرت قبل الخيل (1)، وما ورائي أحد أعلمه، وأنا أتوقع أن أجد السبيل إلى الإرشاد إليه، فلم أجد أحدا حتى اشتد الحر والجوع جدا، حتى جعلت أشرب الماء أطفئ به حر ما أجد من الجوع والخواء.
فبينما أنا كذلك إذ أقبل نحوي غلام قد حمل خوانا عليه طعام وألوان، وغلام آخر عليه طست وإبريق، حتى وضع بين يدي، وقالا: أمرك أن تأكل، فأكلت.
فما فرغت حتى أقبل، فقمت إليه، فأمرني بالجلوس وبالأكل، فأكلت، فنظر إلى الغلام فقال: " كل معه ينشط! " حتى إذا فرغت ورفع الخوان، ذهب الغلام ليرفع ما وقع من الخوان من فتات الطعام، فقال: " مه، مه، ما كان في الصحراء فدعه، ولو فخذ شاة، وما كان في البيت فألقطه "، ثم قال: " سل ".
قلت: جعلني الله فداك ما تقول في المسك؟