ولامتلأت رعبا من كثرة المصائب، وشدة الأحداث، وفظاعة المجازر التي ارتكبها حكام بني أمية، وبني العباس وغيرهم بحقهم على مر التاريخ منذ يوم السقيفة المشؤوم وإلى يومنا هذا الذي جاوزنا فيه القرن الخامس عشر من الهجرة. وكل تلك السنون الطوال مرت ثقيلة حبلى بالأحداث الرهيبة، والتضييق، والملاحقة لشيعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله.
ورغم كل ذلك فقد برز لأهل البيت (عليهم السلام) ومن شايعهم تاريخ حافل بالمواقف المشرفة، والصمود على العقيدة، والتضحية من أجل الدين والمبادئ، في مقابل كل انحراف عن الدين، واعتداء على الحرمات والمقدسات، وقد شهد بذلك العدو، والمخالف والمؤالف.
ولقد تسنم تأريخ أهل البيت الحافل ذري العلياء، وقمة المجد، وسوف يبقى درة بيضاء في غرة العصور مهما تعاقبت، وحتى ظهور مهديهم الموعود، وعندها يبدأ تاريخ جديد لحياة البشرية في ظل العدل والخير والصلاح.
وسيرة الجواد (عليه السلام) هذه هي إحدى تلكم الدرر الناصعة في جبين التأريخ، مع قصر عمرها، واقتضاب في التدوين أو ضياع أو محو أو إتلاف، تعمدا حينا، وتهاونا حينا آخر، وخوفا أحيانا أخر.
فالمشهور والمتواتر من ألقابه (عليه السلام): الجواد، وكل آبائه أجواد، وأبنائه أجاويد. وقطعا كان الإمام محمد بن علي (عليه السلام) كريما، سمح العطاء، ذو يد بيضاء.
فمن ناحية أن الإمام لم يكن محتاجا إلى المال البتة لما كان فيه من وفور النعم من مطعم ومسكن وملبس، فهو صهر الخليفة وقد أنزله المأمون بالقرب من داره أيام إقامته في بغداد، وهذا يعني أن الجواد (عليه السلام) كان يعيش ضمن حياة ترف الملوك والخلفاء، لكن ذلك لا يعني أنه (عليه السلام) كان يطيب له ذلك العيش الناعم الرغيد، فقد عبر عن لواعجه واشتياقه للعودة إلى المدينة، بل وتفضيله خبز