- يا هشام، إن العاقل اللبيب من ترك ما لا طاقة له به، وأكثر للصواب في خلاف الهوى، ومن طال أمله ساء عمله.
- يا هشام، لو رأيت مسير الأجل لألهاك عن الأمل.
- يا هشام، إياك والطمع، وعليك باليأس مما في أيدي الناس، وأمت الطمع من المخلوقين، فإن الطمع مفتاح للذل، واختلاس العقل، واختلاق المروات، وتدنيس العرض، والذهاب بالعلم، وعليك بالاعتصام بربك والتوكل عليه، وجاهد نفسك لتردها عن هواها، فإنه واجب عليك كجهاد عدوك.
قال هشام: فقلت له: فأي الأعداء أوجبهم مجاهدة؟ قال (عليه السلام): أقربهم إليك، وأعداهم لك، وأضرهم بك، وأعظمهم لك عداوة، وأخفاهم لك شخصا مع دنوه منك، ومن يحرض أعداءك عليك، وهو إبليس الموكل بوسواس من القلوب، فله فلتشتد عداوتك، ولا يكونن أصبر على مجاهدته لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته، فإنه أضعف منك ركنا في قوته، وأقل منك ضررا في كثرة شره، إذا أنت اعتصمت بالله فقد هديت إلى صراط مستقيم.
- يا هشام، من أكرمه الله بثلاث فقد لطف له: عقل يكفيه مؤونة هواه، وعلم يكفيه مؤونة جهله، وغنى يكفيه مخافة الفقر.
- يا هشام، احذر هذه الدنيا، واحذر أهلها، فإن الناس فيها على أربعة أصناف: رجل مترد معانق لهواه، ومتعلم مقرئ كلما ازداد علما ازداد كبرا، يستعلي بقراءته وعلمه على من هو دونه، وعابد جاهل يستصغر من هو دونه في عبادته، يحب أن يعظم ويوقر، وذي بصيرة عالم عارف بطريق الحق، يحب القيام به، فهو عاجز أو مغلوب ولا يقدر على القيام بما يعرفه فهو محزون مغموم بذلك، فهو أمثل أهل زمانه وأوجههم عقلا.