الناصح يمن وبركة ورشد وتوفيق من الله، فإذا أشار عليك العاقل الناصح فإياك والخلاف فإن في ذلك العطب.
- يا هشام، إياك ومخالطة الناس والأنس بهم، إلا أن تجد منهم عاقلا ومأمونا، فآنس به، واهرب من سائرهم كهربك من السباع الضارية. وينبغي للعاقل إذا عمل عملا أن يستحيي من الله، وإذا تفرد له بالنعم أن يشارك في عمله أحدا غيره.
وإذا مر بك أمران لا تدري أيهما خير وأصوب، فانظر أيهما أقرب إلى هواك فخالفه، فإن كثير الصواب في مخالفة هواك. وإياك أن تغلب الحكمة وتضعها في أهل الجهالة.
قال هشام: فقلت له: فإن وجدت رجلا طالبا لها غير أن عقله لا يتسع لضبط ما ألقي إليه؟ قال (عليه السلام): فتلطف له في النصيحة، فإن ضاق قلبه فلا تعرضن نفسك للفتنة، واحذر رد المتكبرين، فإن العلم يدل على أن يملى على من لا يفيق.
قلت: فإن لم أجد من يعقل عنها؟ قال (عليه السلام): فاغتنم جهله عن السؤال حتى تسلم من فتنة القول وعظيم فتنة الرد.
واعلم أن الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم، ولكن رفعهم بقدر عظمته ومجده، ولم يؤمن الخائفين بقدر خوفهم، ولكن آمنهم بقدر كرمه وجوده، ولم يفرح المحزونين بقدر حزنهم، ولكن بقدر رأفته ورحمته، فما ظنك بالرؤوف الرحيم الذي يتودد إلى من يؤذيه بأوليائه، فكيف بمن يؤذى فيه! وما ظنك بالتواب الرحيم الذي يتوب على من يعاديه، فكيف بمن يترضاه ويختار عداوة الخلق فيه!
- يا هشام، من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه، وما أوتي عبد علما فازداد للدنيا حبا إلا ازداد من الله بعدا، وازداد الله عليه غضبا.