من غير زرع يلقيه، ويحرث له من غير حرث يعمله، فانتهيت إلى بابه، فأقمت ثلاثا لا أدق الباب، ولا أعالج الباب، فلما كان اليوم الرابع فتح الله الباب، وجاءت بقرة عليها حطب، تجر ضرعها، يكاد يخرج ما في ضرعها من اللبن، فدفعت الباب فانفتح فتبعتها ودخلت، فوجدت الرجل قائما ينظر إلى السماء فيبكي، وينظر إلى الأرض فيبكي، وينظر إلى الجبال فيبكي. فقلت: سبحان الله، ما أقل ضربك في دهرنا هذا!
فقال لي: والله ما أنا إلا حسنة من حسنات رجل خلفته وراء ظهرك.
فقلت له: أخبرت أن عندك اسما من أسماء الله تعالى تبلغ به في كل يوم وليلة بيت المقدس وترجع إلى بيتك. فقال لي: وهل تعرف بيت المقدس؟ فقلت:
لا أعرف إلا بيت المقدس الذي بالشام.
فقال: ليس بيت المقدس، ولكنه البيت المقدس وهو بيت آل محمد.
فقلت له: أما ما سمعت به إلى يومي هذا، فهو: بيت المقدس.
فقال لي: تلك محاريب الأنبياء، وإنما كان يقال لها حظيرة المحاريب، حتى جاءت الفترة التي كانت بين محمد وعيسى صلى الله عليهما وقرب البلاء من أهل الشرك، وحلت النقمات في دور الشياطين، فحولوا وبدلوا ونقلوا تلك الأسماء، وهو قول الله تبارك وتعالى - البطن لآل محمد والظهر مثل - ﴿إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان﴾ (1).
فقلت له: إني قد ضربت إليك من بلد بعيد، تعرضت إليك بحارا وغموما وهموما وخوفا، وأصبحت وأمسيت مؤيسا ألا أكون ظفرت بحاجتي.