كنت عند أبي عبد الله في السنة التي ولد فيها ابنه موسى بن جعفر، فلما نزلنا الأبواء، وضع لنا أبو عبد الله الغداء، وأكثره وأطاب، فبينا نحن نتغدى معه إذ أتاه الرسول: أن حميدة قد أخذها الطلق، فقام فرحا مسرورا، ومضى فلم يلبث أن عاد إلينا حاسرا عن ذراعيه، ضاحكا مستبشرا، فقلنا: أضحك الله سنك، وأقر عينك، ما صنعت حميدة؟
فقال: وهب الله لي غلاما، وهو خير أهل زمانه، ولقد خبرتني أمه عنه بما كنت أعلم به منها.
فقلت: جعلت فداك، وما الذي خبرتك به عنه؟ فقال: ذكرت أنه لما خرج من أحشائها وقع إلى الأرض رافعا رأسه إلى السماء، قد اتقى الأرض بيده، يشهد أن لا إله إلا الله. فقلت لها: إن ذلك أمارة رسول الله وأمارة الأئمة من بعده (1).
فسماه أبوه (عليه السلام) موسى، ولم يقم بعد ولادته (عليه السلام) في الأبواء طويلا، بل عاد إلى يثرب.
وعلى عادة الأمجاد من العرب في استقبال مواليدهم، فقد صنع الصادق (عليه السلام) وليمة، ودعا الناس إليها احتفاء بالمولود السعيد، فأطعم ضيوفه ثلاثة أيام.
روى البرقي في " المحاسن " عن منهال القصاب، قال: خرجت إلى مكة وأنا أريد المدينة، فمررت بالأبواء وقد ولد لأبي عبد الله (عليه السلام)، فسبقته إلى المدينة، ودخل بعدي بيوم فأطعم الناس ثلاثا، فكنت آكل فيمن يأكل، فما آكل شيئا