زاجرا! أن تؤذي أهله، وتشرد بحليلته، وتسفك دماء أهل ملته.
ثم تركك دار الهجرة التي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنها: " إن المدينة لتنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد " فلعمري لقد صح وعده، وصدق قوله، ولقد نفت خبثها، وطردت عنها من ليس بأهل أن يستوطنها، فأقمت بين المصرين، وبعدت عن بركة الحرمين، ورضيت بالكوفة بدلا من المدينة، وبمجاورة الخورنق والحيرة عوضا عن مجاورة خاتم النبوة، ومن قبل ذلك ما عبت خليفتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيام حياتهما، فقعدت عنهما، وألبت عليهما، وامتنعت من بيعتهما، ورمت أمرا لم يرك الله تعالى له أهلا، ورقيت سلما وعرا وحاولت مقاما دحضا، وادعيت ما لم تجد عليه ناصرا ولعمري لو وليتها حينئذ لما ازدادت إلا فسادا واضطرابا، ولا أعقبت ولايتكها إلا انتشارا وارتدادا؛ لأنك الشامخ بأنفه، الذاهب بنفسه، المستطيل على الناس بلسانه ويده، وها أنا سائر إليك في جمع من المهاجرين والأنصار تحفهم سيوف شامية، ورماح قحطانية، حتى يحاكموك إلى الله.
فانظر لنفسك وللمسلمين، وادفع إلي قتلة عثمان؛ فإنهم خاصتك وخلصاؤك والمحدقون بك، فإن أبيت إلا سلوك سبيل اللجاج والإصرار على الغي والضلال فاعلم أن هذه الآية إنما نزلت فيك وفي أهل العراق معك: ﴿وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون﴾ (1) (2).