فنزل بي من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ما لم أكن أظن الجبال لو حملته عنوة (1) كانت تنهض به، فرأيت الناس من أهل بيتي ما بين جازع لا يملك جزعه، ولا يضبط نفسه، ولا يقوى على حمل فادح (2) ما نزل به، قد أذهب الجزع صبره، وأذهل عقله، وحال بينه وبين الفهم والافهام، والقول والأسماء.
وسائر الناس من غير بني عبد المطلب بين معز يأمر بالصبر، وبين مساعد باك لبكائهم، جازع لجزعهم.
وحملت نفسي على الصبر عند وفاته بلزوم الصمت والاشتغال بما أمرني به من تجهيزه وتغسيله، وتحنيطه وتكفينه، والصلاة عليه، ووضعه في حفرته، وجمع كتاب الله وعهده إلى خلقه، لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة (3)، ولا هائج زفرة (4)، ولا لاذع (5)، حرقة، ولا جزيل مصيبة، حبي أديت في ذلك الحق الواجب لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وآله علي، وبلغت منه الذي أمرني به، واحتملته صابرا محتسبا).
ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: (أليس كذلك)؟
قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.
* الخصال للصدوق ج 2 ص 370 الرقم 58، الإختصاص للمفيد 169، بحار الأنوار ج 38 ص 172.