المدينة أن تتزعزع من صراخهن، وهن يقلن: يا سيدتاه، يا بنت رسول الله، وأقبل الناس مثل عرف الفرس إلى علي (عليه السلام) وهو جالس والحسن والحسين بين يديه يبكيان، فبكى الناس لبكائهما، وخرجت أم كلثوم وعليها برقعة وتجر ذيلها متجللة برداء عليها تسبيحها وهي تقول: يا أبتاه يا رسول الله الآن حقا فقدناك فقدا لا لقاء بعده أبدا.
واجتمع الناس فجلسوا وهم يضجون وينتظرون أن تخرج الجنازة فيصلون عليها، فخرج أبو ذر فقال: انصرفوا فإن ابنة رسول الله قد اخر إخراجها في هذه العشية، فقام الناس وانصرفوا.
فلما أن هدأت العيون ومضى من الليل أخرجها علي والحسن والحسين (عليهم السلام)، وعمار، والمقداد، وعقيل، والزبير، وأبو ذر، وسلمان، وبريدة ونفر من بني هاشم وخواصه صلوا عليها ودفنوها في جوف الليل، وسوى علي حواليها قبورا مزورة مقدار سبعة حتى لا يعرف قبرها (عليها السلام)، وقال بعضهم من الخواص: قبرها سوي مع الأرض مستويا فمسح مسحا سواء مع الأرض حتى لا يعرف موضعه (1).
وفي كتاب سليم بن قيس الهلالي عن ابن عباس انه لما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يوضع في حفرته حتى نكث الناس وارتدوا وأجمعوا على الخلاف، واشتغل علي (عليه السلام) برسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى فرغ من غسله وتكفينه وتحنيطه ووضعه في حفرته، ثم أقبل على تأليف القرآن وشغل عنهم بوصية رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فقال عمر لأبي بكر: يا هذا إن الناس أجمعين قد بايعوك ما خلا هذا الرجل وأهل بيته فابعث إليه، فبعث إليه ابن عم لعمر يقال له قنفذ، فقال له: يا قنفذ إنطلق إلى علي فقل له: أجب خليفة رسول الله، فبعثا مرارا فأبى علي أن يأتيهم، فوثب