وبقية نبينا (صلى الله عليه وآله) بين أمته شيئان: أحدهما العترة، والثاني القرآن، وهما الثقلان المشهوران حيث قال: (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا، أحدهما أكبر من الآخر، وهو كتاب الله فإنه حبل ممدود من السماء إليكم طرف منه بيد الله والآخر بأيديكم) (1).
قولها (عليها السلام): (استخلفها عليكم) أي جعلها خليفة من جانبه ونائبا عنه عليكم وفيكم، يبين لكم الأحكام والفرائض والسنن والآداب، ولكن بتفسير العترة وتعبير أهل بيت العصمة.
والمراد من كتاب الله الناطق هنا هو القرآن الصادق، وإن كان قد يطلق كتاب الله الناطق على علي (عليه السلام)، أو على مطلق العترة بجعل القرآن كتابا صامتا، وهو هنا وإن كان صحيحا في نفسه ولكن الظاهر بقرينة الكلمات الآتية هو الصامت، ولا ينافيه الوصف بالناطق فإن الصامت أيضا ناطق بالأحكام، وفيه تبيان كل شئ من الحلال والحرام، ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين من علوم الأولين والآخرين، وإن حجب عن فوائده الشريفة الواضحة، ودلائله الساطعة اللامعة من ختم على سمعه وقلبه، وجعل غشاوة على بصره.
وقولها (عليها السلام): (كتاب الله) مبتدأ مؤخر، وزعيم فعيل مضافا إلى الحق خبر مقدم، أي ان كتاب الله الناطق وهو القرآن الصادق زعيم حق لله فيكم، أي هو كفيل الحق بينكم من اتبعه هدى، ومن تخلف عنه غوى.
وقولها (عليها السلام): (عهد وبقية) معطوفان على زعيم أي القرآن أيضا عهد و وصية قدمه الله إليكم، وهو بقية منه تعالى أو من نبيه (صلى الله عليه وآله) جعلها خليفة عن نفسه أو عن نبيه عليكم، وهو المعجز الباقي إلى يوم القيامة، المستمر باستمرار الشريعة، من تدبر فيه ميز بين الحق والباطل وفرق بينهما بقول فاصل،