ثم ذكر كلاما طويلا حاصله ان مضمون هذا الخبر يدل على كونها (عليها السلام) أشرف من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، ما خلا خاتم النبيين وسيد المرسلين، وزوجها أمير المؤمنين وأولاده المعصومين (عليهم السلام).
وذلك لأنها قد ضحكت بوعد لقاء ربها، وتبشرت بقرب زمان موتها، ولم يظهر هذا الشأن من أحد من الأنبياء العظام، فان آدم (عليه السلام) أبا البشر بعد ملاحظة أعمار الأنبياء من أولاده حين أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، رأى أن عمر داود (عليه السلام) قليل في الغاية، فترحم ووهب له من مدة عمره المقرر له ثلاثين سنة - أو أربعين سنة -.
فلما آن وفاته مع ما كان عليه من طول عمره وامتداد حياته، حضر ملك الموت عنده ليقبض روحه، وكان عمره المقرر له معينا عنده بتعيين الله له، فقال: قد بقي من عمري مدة ثلاثين سنة، قال ملك الموت (عليه السلام): قد وهبتها في الذر لابنك داود، فهل ترجع في هبتك في هذه النشأة؟ فقال آدم (عليه السلام): أنا لا أتذكر ما ذكرته.
وفي خبر عن النبي (صلى الله عليه وآله): انه جحد فجحدت ذريته (1).
وورد في الأخبار ان بعد هذه المقدمة قرر الله تعالى على بني آدم الحكم بكتابة الكتابة في المعاملات الواقعة بينهم حتى تكون حجة عند عدم المذاكرة، وان من وصل رحمه زاد في عمره ثلاثون سنة، ومن قطعه نقص منه بقدر تلك المدة (2).
وان نوحا الذي كان شيخ الأنبياء، وأطولهم عمرا وأكثرهم سنا، حتى ورد ان عمره بلغ ألفين وخمسمائة سنة، ولبث من تلك المدة في قومه ألف سنة الا خمسين عاما يدعوهم إلى الايمان فلا يجيبونه، قال في مرض موته استقلالا لما مر عليه من الحياة الدنيوية: ما رأيت الدنيا الا مثل دار لها بابان، دخلت من أحدهما