وان من قال إن الشيطان خلق الشر فقد أشركه مع الله في سلطانه، وقال تعالى في القرآن المجيد بعد ذكر الحسنة والسيئة: ﴿قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا﴾ (١).
ومن أول الأحاديث المذكورة بأن المراد من خلق الخير والشر هو خلق الخير والشر بخلق التقدير لا خلق التكوين، وان معنى خلق التقدير انه منقوش في اللوح المحفوظ، وان خلق التكوين وهو وجود الخير والشر في الخارج من فعلنا، فلم يفقه الحديث بل ضل ضلالا بعيدا، ولم يفرق بين الخلق والفعل، وأشرك العبد مع الله، بل صار حاله أشد من الثنوية، فإنهم جعلوا الشيطان خالق الشر وحده، وهذا أشرك معه تعالى جميع العباد، وأضاف الخير أيضا إلى الشر، فجعل الأفعال الخيرية أيضا مخلوقة لغير الله سبحانه مع أن الخالق غير الفاعل، والعبد مظهر الفعل باختيار، وخالق الفعل ومخرجه من العدم إلى الوجود هو الله سبحانه، هل من خالق غير الله فأنى تؤفكون، له الملك وله الحمد وإليه ترجعون، لا إله إلا الله، ولا مؤثر في الوجود إلا الله، ولا معنى لنسبة خلق التكوين في الأفعال إلى عباد الله.
نعم الله تعالى خالق كل شئ بالخلق التقديري أيضا في كل المراتب، وله التقدير الكامل فيما اشتمل على القيود الثلاثة المذكورة، وله التقدير في الجملة مع قطع النظر عن الأول والآخر فيما كان له مادة سابقة، وبلحاظ التقدير الأخير ورد قوله تعالى: ﴿فتبارك الله أحسن الخالقين﴾ (2).
فالخالق لأفعال العباد أيضا في الحقيقة هو الله سبحانه، ولا يلزم من ذلك أن يكون هو الفاعل لها، فإن الفاعل غير الجاعل، إذ الفاعل للفعل هو المظهر المختار، والجاعل هو الموجد باختيار هذا المظهر المختار له، فالعبد يختار المشي إلى المسجد أو الخمار، والله يخلقه بذلك الإختيار، فيكون العبد فاعلا لا جاعلا،