كما في قوله تعالى: ﴿لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب﴾ (١) مبالغة في إبداء نعم الله وإظهارها ليكون ذلك ثناء آخر من باب: ﴿وأما بنعمة ربك فحدث﴾ (٢).
والحمد لله اخبار عند الفراء، قال: وفيه إضمار كأنه قال: إحمدوه وقولوا:
الحمد لله، والأظهر أن يقال: انه جملة إخبارية في الأصل، ثم استعمل في معنى الإنشاء، فإن المتبادر من قول هذه الجملة - أي الحمد لله - إنشاء الحمد لله، واستعمال الجمل الخبرية في مورد الإنشاء كثير في الجملة، إما فعلية ماضوية مثل صيغ العقود والأدعية نظير: بعت، وأنكحت، وأيدك الله، ورحمك الله، أو فعلية استقبالية مثل: لا يمسه إلا المطهرون، أو اسمية مثل: الحمد لله وله الشكر ونحو ذلك.
والإضمار خلاف الأصل مع أن التبادر العرفي يحكم بكون الجملة إنشائية، كما تقول بعد حصول النعمة: (الحمد لله) بقصد أن تحمده، ثم انهم قالوا: إن العبد إذا حمد الله فقد ظفر بأربعة أشياء: قضى حق الله، وأدى شكر النعمة الماضية، وتقرب من استحقاق ثواب الله، واستحق المزيد من نعمائه.
و (الإلهام) هو الإلقاء في الروع، يقال: ألهمه الله خيرا أي لقنه، و ﴿فألهمها فجورها وتقواها﴾ (٣) أي بينها.
والإلهام قسم من الوحي، وهو والإيحاء الإعلام في خفاء، فيستعمل كل منهما بمعنى الإلقاء في الروع لكونه نوعا من الإعلام في خفاء، قال تعالى:
﴿وأوحى ربك إلى النحل﴾ (٤) أي ألهمها وقذف في قلوبها، وعلمها على وجه لا سبيل لأحد على الوقوف عليه، ﴿وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه﴾ (٥) فإنه أيضا وحي إليها، وكذلك قوله تعالى: ﴿وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم﴾ (6).