ثم غلب الوحي والإيحاء بمعنى الإلهام فيما يلقى إلى الأنبياء بواسطة الملك، والإلهام فيما يلقى مطلقا بلا وساطته، فيكون الإلهام أعم من الوحي، فالوحي مخصوص بالأنبياء والإلهام أعم منهم ومن الأولياء.
و (العموم) في الأصل الكثرة، ويتولد منه معنى الشمول والإحاطة، وهو هاهنا إما بمعناه الأصلي أو الاستيلادي، بلا تأويل ومع تأويله بمعنى الوصف.
و (الابتداء) بالشيء الإفتتاح به، وهو كناية عن إيجاده أول حالة فيشمل معنى الاختراع، وهو بمعنى الإيجاد لا من شئ كما قيل.
و (الإبداع) وهو الإيجاد بلا علة، وقيل: الإبداع والاختراع كلاهما بمعنى واحد، قال الجوهري: أبدعت الشيء اخترعته (1)، وقال الزمخشري: أبدع الله الأشياء ابتدعها من غير سبب.
ويؤيد الفرق ما رواه الصدوق (رحمه الله) في كتاب التوحيد: ((الحمد لله فاطر الأشياء إنشاء، ومبتدعها ابتداء بقدرته وحكمته، لا من شئ فيبطل الاختراع، ولا لعلة فلا يصح الابتداع)) (2) ولكن في هذه الخطبة - كما سيجيء عن قريب -:
((إبتدع الأشياء لا من شئ كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة أمثلها)).
ويظهر من هذا أن الإبداع بمعنى الإيجاد لا من شئ فينعكس الفرق، لكن الظاهر عند الإطلاق هو الفرق على النحو المذكور في خبر التوحيد، وجواز استعمال كل في كل عند التقييد، والوارد في الخطبة من هذا القبيل، ويمكن أن يقال: إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا.
وفي الدعاء: ((يا مبتدئ بالنعم قبل استحقاقها)) (3) اما بمعنى المبدع أو المخترع، أو بمعناه الأصلي الذي هو مطلق الابتداء، ويقال: ابتدأه بمعنى أوجده