فخرجن بارزات الوجوه، ناشرات الشعور، لاطمات الصدور، يندبن ويبكين ويقلن: يا أنصار دين الله ألا تدفعون عن بنات رسول الله؟ ألا تذبون عن حرم رسول الله؟ والأصحاب ينظرون إليهن ويبكون بين أيديهن، فقالوا للحسين (عليه السلام): يا ابن رسول الله والله لا يصيبك أحد بسوء ما دام منا عرق نابض، إلى غير ذلك، مع كون ذلك من باب الضرورة أيضا.
وقال الفاضل المجلسي (رحمه الله) بعد ذكر السؤال والجواب الواقع بين علي وفاطمة (عليها السلام) في آخر الخطبة - كما يأتي - ما لفظه: ولندفع الإشكال الذي قلما لا يخطر بالبال عند سماع هذا الجواب والسؤال، وهو ان اعتراض فاطمة على أمير المؤمنين (عليه السلام) في ترك التعرض للخلافة، وعدم نصرتها، وتخطئته فيهما، مع علمها بإمامته ووجوب اتباعه وعصمته، وانه لم يفعل شيئا إلا بأمره تعالى ووصية الرسول، مما ينافي عصمتها وجلالتها.
فأقول: ويمكن أن يجاب عنه بان هذه الكلمات صدرت منها لبعض المصالح، ولم تكن واقعا منكرة لما فعله بل كانت راضية، وإنما كان غرضها أن يتبين للناس قبح أعمالهم، وشناعة أفعالهم، وان سكوته (عليه السلام) ليس لرضاه بما أتوا به.
ومثل هذا كثيرا ما يقع في العادات والمحاورات، كما أن الملك يعاتب بعض خواصه في أمر بعض الرعايا مع علمه ببراءته من جنايتهم ليظهر لهم عظم جرمهم، وانه مما استوجب به أخص الناس بالملك منه المعاتبة.
ونظير ذلك ما فعله موسى (عليه السلام) لما رجع إلى قومه غضبان أسفا من إلقائه الألواح، وأخذه برأس أخيه يجره إليه، ولم يكن غرضه الإنكار على هارون، بل أراد بذلك أن يعرف القوم عظم جنايتهم وشدة جرمهم، كما مر الكلام فيه.
واما حمله على أن شدة الغضب والأسف والغيظ حملتها على ذلك مع علمها بحقية ما ارتكبه (عليه السلام)، فلا ينفع في دفع الفساد، وينافي عصمتها وجلالتها التي عجزت عن إدراكها أحلام العباد.
وبقي هنا إشكال آخر، وهو ان طلب الحق والمبالغة فيه وإن لم يكن منافيا