ذهبا، أو أن يبتغوا إلى دفائن الأرض سببا، لكان ذلك أقرب إليهم وأسرع من رجع الطرف ومد البصر.
فما وجه هذا الإصرار في خصوص فدك على هؤلاء الكفار الفجار، حتى انتهى الأمر إلى الخروج إلى مجامع المهاجرين والأنصار، ومحضر الشهود والنظار، والمكالمة مع الفجار والأبرار، وكذا البكاء والأنين عند جماعة الموافقين والمنافقين، وخطاب المعاتبة على أمير المؤمنين، وغير ذلك مما يأتي تفصيله في محله؟!
والجواب عن الأمرين معا كما يظهر من الروايات: إن الضرورات تبيح المحذورات، وانهم (عليهم السلام) لم يكونوا مكلفين إلا بالعمل على طبق الصورة الظاهرية، والاتصاف بلوازم البشرية، وتأذيهم مما يخالف القواعد الشرعية أشد من تأذينا، لما فيهم من الأسرار الباطنية، والسرائر الداخلية، مع ما في هذا الإصرار من الإشارة إلى فظاعة أمر تلك الولاية الباطلة، وشناعة هذه الخلافة التي تقمصها غصبا ابن أبي قحافة، وانه كان يعلم أن محل علي أمير المؤمنين منها محل القطب من الرحى.
والتنبيه على كفر العمرين للناس من باب إتمام الحجة، وايضاح المحجة، لئلا يقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين، أو كنا نحن بهذا الأمر جاهلين، نظير ما فعل موسى بهارون أخيه من الأخذ بلحيته، والضرب على رأسه حتى يتضح عند الناس قبح عبادة العجل وشناعتها، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، بل كان معنى كلامه هذا في فدك راجعا إلى الكلام في خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) التي غصبها أهل الجور والعناد، الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، وكان في هذه المعركة العظمى، والبناء (1) العظيم تمييز أهل الجنة من أهل الجحيم.
وكان بكاؤها (عليها السلام) في الباطن لأجل الهالكين من أمة أبيها،