يأتي النبي (صلى الله عليه وآله) ويدع أهله وماله لا يرجع في شئ منه، وينقطع بنفسه إلى مهاجره، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يكره أن يموت الرجل بالأرض التي هاجر منها، فلما فتحت مكة صارت دار الإسلام كالمدينة وانقطعت الهجرة.
والهجرة الثانية من هاجر إلى الأعراب وغزا مع المسلمين، ولم يفعل كما فعل أصحاب الهجرة الأولى فهو مهاجر، وليس بداخل في فضل من هاجر تلك الهجرة السابقة، وهو المراد بقوله: ((لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة)) وهذا وجه الجمع بين الحديثين.
وإذا أطلق في الحديث ذكر الهجرتين فإنهما يراد بهما هجرة الحبشة وهجرة المدينة، ومنه الحديث: ((ستكون هجرة بعد الهجرة)) (١) والمهاجرون عند الإطلاق هم المهاجرون من أهل مكة إلى المدينة، ما لم ينضم إليه قرينة دالة على إرادة المهاجرين من غيرهم من سائر بلاد الكفر مطلقا، أو من مكة إلى الحبشة.
وابتداء الهجرة إنما وقع في السنة الخامسة والأربعين من سن النبي (صلى الله عليه وآله)، وهي السنة الخامسة من البعثة حيث هاجر المؤمنون، وهم يومئذ أحد عشر رجلا وخمسة نسوة، من مكة إلى الحبشة من جهة ما بنى عليه الكفار بالنسبة إليهم من الأذى والأذية، فالتجأوا إلى أصحمة النجاشي (٢) ملك تلك البلاد، فاستراحوا في الحبشة.
ثم قرع سمعهم ان الكفار صالحوا النبي المختار على ترك الأذية له ولمن تابعه فرجعوا إلى مكة، وكان الحال انه لما نزل سورة النجم كان النبي (صلى الله عليه وآله) يقرأها في المسجد الحرام في الصلاة حتى إذا بلغ إلى قوله تعالى: ﴿ومناة الثالثة الأخرى﴾ (3) فألقى الشيطان في أثناء صوت