ثم فاطمة (عليها السلام) بوساطة الأئمة.
فهم كالحديدة المحماة بنار أمر الله الموقدة التي تطلع على أفئدة هؤلاء الكرام البررة، وتفيض تلك الفيوض الربانية، والآثار الإلهية بوساطتهم إلى سائر الوجودات الكونية، والواسطة بينهم وبين من دونهم من النبيين والآدميين والملائكة والجن أجمعين، والحيوان والنبات والجماد، هو فاطمة الزهراء لوقوعها في آخر تلك السلسلة، وكونها الجزء الأخير من العلة التامة، فلها مظهرية كاملة بالنسبة إلى آثار تلك الأنوار العالية، وجهة تربية وتقوية لها بالنسبة إليهم من حيث كونها مظهر آثارهم، ومطرح أطوارهم، كما أن لها تربية وتقوية وأمية كاملة إلى من دون تلك السلسلة العالية، آدم ومن دونه ومن فوقه في العوالم الباطنية والظاهرية.
فهي (عليها السلام) بهذا الاعتبار أم بالنسبة إلى الحقيقة المحمدية والحقيقة العلوية أيضا، كما بالنسبة إلى الأئمة (عليهم السلام)، وكذا بالنسبة إلى آدم أبي البشر ومن بعده ممن تقدم وتأخر، وهي أم أبيها أي محمد (صلى الله عليه وآله)، ولو جعل المراد كونها أم آدم (عليه السلام) فالوجه ظاهر، ولكن الظاهر هو الأول كما يظهر من البيت المنسوب إلى علي أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال:
ولدت أمي أباها إن ذا من عجبات * وأبي طفل صغير في حجور المرضعات فجعلها اما لنفسه ولأبيها، فالظاهر إرادة كونها أمهما، لكن يمكن أن يراد انها أم لآدم من حيث خلقة آدم (عليه السلام) وكذا حواء من نورها، كما أشير إليه سابقا من جهة فيضان الفيوض الإلهية إليهما بوساطتها، وقد تولد منهما أبوها وزوجها، وهي تكون أم أبيها وزوجها أيضا بالواسطة.
وهذا وجه آخر غير ما مر، ومراده من قوله: ((وأبي طفل صغير)) هو أبو طالب، أي ولدت فاطمة الزهراء أباها، والحال ان أبا طالب كان طفلا صغيرا ولم يولدني بل لم يتزوج، وإن أريد آدم (عليه السلام) ومن بعده فيجوز ظاهرا أيضا بلا إشكال، كما مر وجهه.
ويجوز أن يكون أميتها من جهة كونها من بين تلك الأنوار في مرتبة الماهية،