على نحو ما تقرر في نوع البشر، أو انهما تبيضان وتفرخان كالطيور، أو بسحق الأرجل بعضها ببعض، أو بنحو آخر؟ وجوه محتملة ليس في تحقيقها كثير فائدة، لكن اللازم هنا هو بيان الفرق في الجملة بين البشر والملك، والجن والشيطان من حيث الجنس والطبيعة.
وهو أن البشرية مستلزمة للكثافة الجسمية بخلاف البواقي، فإنها إما أجسام لطيفة، أو أرواح لطيفة متعلقة بالقوالب المثالية، والملك من بينها نوري صرف، كما أن الشيطان ناري محض، والجن مركب من القوتين النورية والنارية، فلا يكون الملائكة إلا كراما بررة، ولا الشياطين إلا لئاما، والجن يكون منه أبرار ومنه أشرار كما في نوع الإنسان.
فباطن الإنسان كالجن مركب من القوتين النورية الملكية العقلانية والنارية الشيطانية الوهمية، مع زيادة قوتين هما من لوازم القوة الشيطانية، وهما: الشهوية البهيمية والغضبية السبعية.
والجن إذا غلب ناريته كان من الشيطان، وإذا غلب نوريته كان من الملائكة، نظير الإنسان لكن مع حصول فضيلة كاملة من جهة تغليب القوة العاقلة على الوهمية وبالعكس، فيكون أفضل من الملائكة أو أشر من الشيطان.
وإبليس كان من الجن، كما في صريح الآية: ﴿فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه﴾ (١) ومن جهة شرارته سمى بالشيطان فيسمى أولاده أيضا شياطين، ويطلق على شرير الإنسان أيضا أنه شيطان، قال تعالى: ﴿وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا﴾ (٢).
وأما قوله تعالى: ﴿فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس﴾ (3) فالاستثناء منقطع كما قيل، أو متصل باعتبار لحوق إبليس بالملائكة ودخوله فيهم في