قال بعض المحققين: وهذه الطوارئ والتغييرات المذكورة إنما تختص بأجسامهم البشرية المقصود بها مقاومة البشر، ومعاناة بني آدم لمشاكلة الجنس.
وأما بواطنهم فمنزهة غالبا عن ذلك معصومة منه، متعلقة بالملأ الأعلى والملائكة لأخذها عنهم، وتلقيها الوحي منهم.
قال: وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن عيني تنامان ولا ينام قلبي.
وقال: إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني.
وقال: لست أنسي، ولكن أنسى، ليستن بي.
فأخبر أن سره وباطنه وروحه بخلاف جسمه وظاهره، وأن الآفات التي تحل ظاهره من ضعف وجوع، وسهر ونوم، لا يحل منها شئ باطنه، بخلاف غيره من البشر في حكم الباطن، لأن غيره إذا نام استغرق النوم جسمه وقلبه، وهو صلى الله عليه وسلم في نومه حاضر القلب كما هو في يقظته حتى قد جاء في بعض الآثار أنه كان محروسا من الحدث في نومه لكون قلبه يقظان كما ذكرناه.
وكذلك غيره إذا جاع ضعف لذلك جسمه، وخارت قوته، فبطلت بالكلية جملته، وهو صلى الله عليه وسلم قد أخبره أنه لا يعتريه ذلك، وأنه بخلافهم، لقوله: لست كهيئتكم: إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني.
وكذلك أقوال: إنه في هذه الأحوال كلها، من وصب ومرض، وسحر وغضب، لم يجز على باطنه ما يخل به، ولا فاض منه على لسانه وجوارحه ما لا يليق به، كما يعتري غيره من البشر مم نأخذ بعد في بيانه.
فإن قلت: فقد جاءت الأخبار الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم سحر كما حدثنا الشيخ أبو محمد العتابي بقراءتي عليه، قال: حدثنا حاتم بن محمد، حدثنا أبو الحسن علي بن خلف، حدثنا محمد بن أحمد، حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا البخاري، حدثنا عبيد بن إسماعيل، قال:
حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخيل إليه أنه فعل الشئ وما فعله.
وفي رواية أخرى: حتى كان يخيل إليه أنه كان يأتي النساء ولا يأتيهن... الحديث.
وإذا كان هذا من التباس الأمر على المسحور فكيف حال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك؟ وكيف جاز عليه - وهو معصوم؟