أحدهما: تألم الجسد الشريف بتكرر خروج الروح منه أو نوع ما من مخالفة التكرار إن لم يكن تأليما.
والآخر: مخالفة سائر الناس الشهداء وغيرهم، فإنه لم يثبت لأحد منهم أنه يتكرر له مفارقة الروح وعودها إلى البرزخ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أولى بالاستمرار الذي هو أعلى مرتبة.
ومحذور ثالث وهو مخالفة القرآن فإنه دل على أنه ليس إلا موتة وحياتان، وهذا التكرير يستلزم موتات كثيرة وهو باطل انتهى.
ثم قال القونوي: وإما أن يقال يردها عند سلام المسلم الأول ثم قبضها بعد ذلك، ثم ردها عند مسلم آخر وهكذا كلما سلم عليه المسلمون، وهذا لم يقل به أحد، ولا يجوز اعتقاده أيضا، فإنه يفضى إلى توالى موتات لا تحصى ورد الروح مرات لا تحصى، فإن كل مصل يسلم عليه في صلاته مرة أو مرتين وغير المصلي أيضا يسلم عليه، ويختلف أوقات سلامهم فلا يخلو ساعة من الساعات من سلام عليه ولا يخفى ما في التزام تكرار الرد بتكرار ذلك المحذور فتعين القول بردها عليه - صلى الله عليه وسلم - بعد موته مرة واحدة لرد السلام على المسلم الأول واستمرار الحياة بعد ذلك إلى يوم القيامة فيكون النبي - صلى الله عليه وسلم - حيا في قبره ثم أيد ذلك بما رواه مسلم عن أنس مرفوعا، رأيت موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره.
الجواب الثاني: قال السبكي: يحتمل أن يكون ردا معنويا، وأن تكون روحه الشريفة مستقلة بشهود الحضرة الإلهية والملأ الأعلى عن هذا العالم فإذا سلم عليه أقبلت روحه الشريفة على هذا العالم فيدرك سلام من سلم عليه، أو يرد عليه.
الثالث: قال الشيخ: إن لفظ (الرد) قد لا يدل على انفكاك المفارقة: بل كنى به عن مطلق الصيرورة كما قبل في قوله تعالى حكاية عن شعيب - عليه الصلاة والسلام - (قد افترينا على الله كذبا إن عدنا فهي ملتكم) [الأعراف: 89] إن لفظ العود أريد به مطلق الصيرورة لا العود بعد الانتقال، لأن شعيبا - عليه الصلاة والسلام - لم يكن في ملتهم قط، وحسن استعمال هذا اللفظ في هذا الحديث مراعاة للمناسبة اللفظية بينه وبين قوله: (حتى أرد عليه السلام) في لفظ الرد في صدر الحديث لمناسبة ذكره في آخر الحديث.
الرابع: قال الشيخ: ليس المراد برد الروح عودها بعد المفارقة للبدن، وإنما النبي - صلى الله عليه وسلم - في البرزخ مشغول بأحوال الملكوت مستغرق في مشاهدة ربه كما كان في الدنيا في حاله بالوحي، وفي أوقات أخر فعبر عن إفاقته من تلك المشاهدة، وذلك الاستغراق برد الروح، ونظير هذا قول العلماء في اللفظة التي وقعت في بعض أحاديث الإسراء لم يكن