وروى الشيخان عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، مسجدي هذا والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى).
وروى البزار وابن حبان عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
(خير ما ركبت إليه الرواحل مسجدي هذا، والبيت العتيق مسجد إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -).
تنبيهات الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام).
اختلف في تأويل هذا الحديث فقيل: إن الصلاة في مسجده - صلى الله عليه وسلم - أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بدون ألف صلاة.
ونقل أبو عمر عن جماعة من أهل الأمر: أن معناه أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد المدينة ثم أيده بما أخرجه من حديث ابن عمر مرفوعا (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام فإنه أفضل فيه بمائة صلاة).
الثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد).
قيل: هو نفي بمعني النهي.
وقيل: لمجرد الإخبار لا نهي ولا دلالة فيه على التحريم، إذا النفي لا يقتضي النهي مطلقا، وعلى تقدير أنه يقتضي النهي فإنما يقتضي النهي فيما وقع عليه النفي، والنفي هاهنا ليس لنفي الحقيقة، وإنما هو لنفي مقصود من مقاصدها، ولا يتعين أن يكون الجواز المطلق، جاز أن يكون لا تشد الرحال وجوبا أو ندبا أو طاعة مسنونة بخصوصيتها لا بنوعها ولا بحسنها وتعين أحد المحتملات يحتاج إلى دليل، وبتقدير أن يكون بمعنى النهي، فلا نسلم أن النهي في مثل ذلك يقتضي التحريم، والأمر يقتضي الوجوب وإطلاق أئمة الأصول أن النهي يقتضي التحريم والأمر يقتضي الوجوب محمول على الأمر بصيغة (افعل) والنهي بصيغة (لا تفعل) إذ هو الذي يصح فيه دعوى الحقيقة.
وأما ما كان موضوعا حقيقة بغير الأمر والنهي، ويفيد معنى أحدهما كالخبر بمعنى الأمر، والنفي بمعنى النهي فلا يدعي فيه أنه حقيقة في وجوب ولا تحريم، لأنه مستعمل في غير موضوعه إذا أريد الأمر والنهي، ودعوى كونه حقيقة في إيجاب أو تحريم وهو موضوع لغيرهما مكابرة وهذا موضع يغلط فيه كثير من الفقهاء ويعبرون بلفظ أئمة الأصول ويدخلون فيه كلما