وقال الإمام العلامة جمال الدين محمود بن جملة: نبينا - صلى الله عليه وسلم - أحياه الله تعالى بعد موته حياة تامة واستمرت تلك الحياة إلى الآن، وهي مستمرة إلى يوم القيامة، وليس هذا خاصا به - صلى الله عليه وسلم - بل يشاركه الأنبياء - صلوات الله سلامه عليهم - أجمعين.
والدليل عن ذلك أمور كثيرة:
أحدها: قوله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) [آل عمران: 169] فقيل: وجه الدلالة منها من ثلاثة أوجه:
الأول: أن الحياة في البرزخ حاصلة لآحاد الأمة من الشهداء، وللشهداء بذلك مزية على غيرهم ممن ليس بشهيد، فما لهم أفضل ممن لم يكن له هذه المرتبة، ولا يكون رتبة أحد من الأمة أعلى درجة من رتبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا ثوابه أكمل ولا حاله أحسن.
الثاني: أن الذين قتلوا في سبيل الله إنما استحقوا هذه الرتبة بالشهادة، والشهادة حاصلة له - صلى الله عليه وسلم - على أتم الوجود وأكملها، لأن الشهيد سمي شهيدا إذ الشهادة الموت أو الشهادة لله أو الشهادة على الناس يوم القيامة، أو لمشاهدة ثواب الله - عز وجل -، أو لمشاهدة ملائكته، وهذه الرتبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - أكمل من الأمة وأعلاها الشهادة الله تعالى والشهادة على الناس وشهادة النبي - صلى الله عليه وسلم - أسمى وأعظم فإنه - صلى الله عليه وسلم - شهد على الشهداء قال الله تعالى:
(وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) [البقرة 143] فإن توهم متوهم أن هذا من خصائص القتلى، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قد حصل له ذلك كما بيناه في باب أن الله تعالى اختار له مع النبوة الشهادة في أبواب الوفاة فراجعه.
وقال الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي: صاحب (العمدة) المشهورة في جواب سؤال ما نصه: سألت: - أحسن الله لنا ولك التوفيق لم يحب ويرضى عن صلاة نبينا وسيدنا المصطفى المرتضى سيد الخلق في الآخرة والأولى بإخوانه النبيين والمرسلين، هل صلى بأجسادهم أم بأرواحهم، فاعلم - رحمك الله - أن مذهب أهل الحق القائلين بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [إن الإسراء كان برسول - صلى الله عليه وسلم -] (1) بجسده وروح يقظة لا مناما، فقد ورد به القرآن العزيز وورد به الخبر الصحيح، قال الله سبحانه وتعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام) [الإسراء 1] الآية، وتواترت الخبار الصحيحة بذلك.
قال: فإن ثبت هذا، فاعلم أن الأنبياء أحياء في قبورهم.