فبايعوا أيهما شئتم، وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا، ولم أكره شيئا مما قاله غيرها، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي ولا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلى من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، وعند ابن عقبة فقال أبو بكر: فأنا أدعوكم إلى أحد هذين الرجلين عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح، ووضع يده عليهما، وكان نائما بينهما، فكلاهما قد رضيته للقيام بهذا الأمر، ورأيته أهلا لذلك الأمر، فقال عمر وأبو عبيدة: ما ينبغي لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكون فوقك يا أبا بكر، أنت صاحب الغار مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثاني اثنين، وأمرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين اشتكى فصليت بالناس فأنت أحق بهذا الأمر، قالت الأنصار والله ما نحسدكم على خير ساقه الله إليكم، وما خلق الله قوما أحب إلينا ولا أعز علينا منكم، ولا أرضي عندنا هديا منكم، ولكنا نشفق بعد اليوم، فلو جعلتم اليوم أصلا منكم، فإذا مات أخذتم رجلا من الأنصار فجعلناه، فإذا مات أخذنا رجلا من المهاجرين فجعلناه، فكنا كذلك أبدا ما بقيت هذه الأمة، بايعناكم ورضينا بذلك من أمركم، وكان ذلك أجدر أن يشفق القرشي، إن زاع أن ينقض عليه الأنصاري، فقال عمر لا ينبغي هذا الأمر، ولا يصلح إلا لرجل من قريش، ولن ترضى العرب إلا به، ولن تعرف العرب الإمارة إلا له، ولن يصلح إلا عليه، والله لا يخالفنا أحد إلا قتلناه انتهى.
وروى الإمام أحمد عن حميد بن عبد الرحمن أن أبا بكر قال لسعد بن عبادة، لقد علمت يا سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وأنت قاعد: (قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم، قال: صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء، وعند الإمام أحمد قال قائل من الأنصار: أنا جديلها المحكك وعذيقها المرجب، منا أمير، ومنكم أمير يا معشر قريش، قال: فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى خشينا الاختلاف، فقلت ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون، ثم بايعه الأنصار، وعند ابن عقبة فكثر القول حتى كادت الحرب تقع بينهم وأوعد بعضهم بعضا، ثم تراضى المسلمون، وعصم الله لهم دينهم، فرجعوا وعصوا الشيطان، ووثب عمر فأخذ بيد أبي بكر، وقام أسيد بن حضير الأشهلي وبشر بن سعد أبو النعمان بن بشير يستبقان ليبايعا أبا بكر فسبقهما عمر فبايع، ثم بايعا معا وعند ابن إسحاق في بعض الروايات وابن سعد أن بشر بن سعد سبق عمر.
وروى البيهقي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - أن خطيب الأنصار قام فقال: تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان من المهاجرين وخليفته من المهاجرين ونحن كنا أنصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن أنصار خليفته كما كنا أنصاره، فقام عمر بن الخطاب فقال:
صدق قائلكم، أما لو قلتم غير هذا لم نتابعكم، ووثب أهل السقيفة يبتدرون البيعة وسعد بن