وروى البلاذري - بسند جيد - أن عمر بن عبد العزيز بعث ابن الزبير الحنظلي إلى الحسن فقال له: هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استخلف أبا بكر؟ فقال الحسن أو في شك صاحبك، والله الذي لا إله إلا هو، استخلفه حين أمره بالصلاة دون الناس، ولهو كان أتقى لله من أن يتوثب عليها.
وروى البلاذري عن إبراهيم التيمي، وابن سيرين قال: لما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتوا أبا عبيدة بن الجراح، فقالوا: ابسط يدك نبايعك فإنك أمين هذه الأمة على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أتأتوني وفيكم الصديق ثاني اثنين؟ وفي لفظ: ثالث ثلاثة، قيل:
لابن سيرين: وما ثالث ثلاثة؟ قال: ألم تقرأ هذه الآية (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) [التوبة 40].
وروى ابن عقبة - بأسناد جيد - عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: أن رجالا من المهاجرين غضبوا في بيعة أبي بكر، منهم علي والزبير، فدخلا بيت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعهما السلاح، فجاءهما عمر بن الخطاب في عصابة من المهاجرين والأنصار، فيهم أسيد بن حضير وسلمة بن سلامة بن وقش الأشهليان وثابت بن قيس بن شماس الخزرجي، فكلموهما حتى أخذ أحدهم سيف الزبير فضرب به الحجر حتى كسره، ثم قام أبو بكر فخطب الناس، واعتذر إليهم، وقال: والله ما كنت حريصا على الإمارة يوما قط ولا ليلة، ولا سألتها الله تعالى قط سرا ولا علانية. ولكني أشفقت من الفتنة وما لي في الإمارة من راحة، ولكني قلدت أمرا عظيما ما لي به طاقة، ولا يدان إلا بتقوية الله تعالى، ولوددت أن أقوي الناس عليها مكاني اليوم، فقبل المهاجرون منه ما قاله، وما اعتذر به، وقال علي والزبير:
ما غضبنا إلا أنا أخرنا عن المشورة، وإنا لنرى أن أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنه لصاحب الغار، وثاني اثنين، وإنا لنعرف له شرفه ولقد أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة بالناس وهو حي.
قال أبو الربيع: وذكر غير ابن عقبة أن أبا بكر - رضي الله تعالى عنه - قام في الناس بعد مبايعتهم إياه يقيلهم في بيعتهم، وأستقيلهم فيما تحمله من أمرهم، ويعيد ذلك عليهم، كل ذلك يقولون: والله لا نقيلك ولا نستقيلك، قدمك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن ذا يؤخرك.
قلت: وروى البلاذري عن أبي الجحاف قال: لما بويع أبو بكر، وبايعه الناس، قام ينادي ثلاثا: أيها الناس قد أقلتكم بيعتكم فقال علي: والله لا نقيلك ولا نستقيلك قدمك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة، فمن ذا يؤخرك ولم يبدأ أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - بعد أن فرغ من أمر البيعة، واطمأن الناس بشئ من النظر قبل إنفاذ أسامة، فقال له: امض لوجهك الذي