وروى الطبراني برجال الصحيح عن محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة قال:
حدثني عمي أن أبا أمامة أصابه وجع يسميه أهل المدينة الذبح، فكواه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده (1).
وروى أبو يعلي برجال الصحيح عن أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كواه.
الرابع: في وصفه - صلى الله عليه وسلم - الكي لبعض أصحابه.
روى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجة عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال:
رمي أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - يوم الأحزاب في أكحله فبعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه عليه.
وروى الطبراني في الكبير عن كعب بن مالك - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد البراء بن معرور وقد أخذته ذبحة فأمر من يبطه بالنار حتى يوجهه (2).
تنبيهات الأول: قال الأطباء: إنما يستعمل الكي في الخلط الباغي الذي لا تنحسم مادته إلا به، ولهذا وصفه - صلى الله عليه وسلم - ثم نهي عنه، وإنما كرهه لما فيه من الألم الشديد والخطر العظيم، ولهذا كانت العرب تقول في أمثلتها: (آخر الدواء الكي) والنهي فيه محمول على الكراهة، أو على خلاف الأولى لما يقتضيه مجموع الأحاديث.
وقيل: إنه خاص لعمران بن حصين، لأنه كان به الباسور، وكان موضعه خطر فنهاه عن كيه، فلما اشتد عليه كواه فلم ينجح قال ابن قتيبة: الكي نوعان: كي الصحيح لئلا يعتل، فهذا الذي قيل فيه: لم يتوكل من اكتوى، لأنه يريد أن يدفع عنه القدر، والقدر لا يدافع.
والثاني: كي الجرح إذا فسد، والعضو إذا قطع فهو الذي شرع التداوي له، فإن كان الكي لأمر محتمل فهو خلاف الأولي، لما فيه من تعجيل التعذيب بالنار لأمر غير محقق، قال الحافظ: وحاصل الجمع أن الفعل يدل على الجواز، وعدم الفعل لا يدل على المنع بل يدل على أن تركه أرجع من فعله، ولذا وقع الثناء على تركه، وأما النهي عنه فإما على سبيل الاختيار والتنزيه، وإما عما لا يتعين طريقا للشفاء.