ومنها أن المراد بتحريمه على النار حرمة جملته، لان (المراد) أن النار لا تأكل موضع السجود من المسلم، كما ثبت في حديث الشفاعة أن ذلك محرم عليها، وكذا لسانه الناطق بالتوحيد والعلم عند الله.
وقوله: " إذا يتكلوا " - بتشديد المثناة المفتوحة وكسر الكاف - وهو جواب وجزاء، أي إن أخبرتهم يتكلوا، وللأصيلي وللكشميني " ينكلوا " بإسكان النون وضم الكاف أي يمتنعوا من العمل اعتمادا على ما يتبادر من ظاهره.
وروى البزار بإسناد حسن من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - في هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لمعاذ في التبشير، فلقيه عمر، فقال: لا تعجل، ثم دخل، فقال: يا نبي الله، أنت أفضل رأيا، إن الناس إذا سمعوا ذلك اتكلوا عليها قال: فرده (1)، وهذا معدود من موافقات عمر - رضي الله تعالى عنه -، وفيه جواز الاجتهاد بحضرته صلى الله عليه وسلم واستدل بعض متكلمي الأشاعرة، من قوله " يتكلوا " على أن للعبد اختيارا كما سبق في علم الله.
وقوله " تأثما " هو بفتح الهمزة وتشديد المثلثة المضمومة أي خشية الوقوع في الاثم الحاصل في كتمان العلم، ودل صنع معاذ على أن النهي في التبشير كان على التنزيه لا على التحريم وإلا لما كان يخبر به أصلا، أو عرف أن النهي مقيد بالاشكال، وأخبر به من لا يخشى عليه ذلك، وإذا زال القيد زال المقيد، والأول أوجه، لكونه أخر ذلك إلى وقت موته، وقال القاضي عياض: لعل مراد " معاذ " لم يفهم النهي، لكن كسر عزمه كما عرض له من تبشيرهم.
قلت: والرواية الآتية صريحة في النهي، فالأولى ما تقدم، وفي الحديث جواز الارداف وإثبات تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلة معاذ بن جبل من العلم، لأنه خصه بما ذكر، وفيه جواز استفسار الطالب عما تردد فيه واستئذانه في إشاعة ما يعلم به وحده.
وقوله " من لقي الله " أي من لقي الاجل الذي قدره الله يعني الموت وقوله " لا يشرك به " اقتصر على نفي الاشراك لأنه يستدعي التوحيد بالاقتضاء، ويستدعي إثبات الرسالة باللزوم، إذ من كذب رسول الله فقد كذب الله، ومن كذب الله فهو مشرك. انتهى.
السابع: قوله: " لا يلبس " قال الحافظ: قال ابن دقيق العيد، في الحديث: العدول عما لا ينحصر إلى ما ينحصر طلبا للايجار، لان السائل سأل عما يلبس فأجيب بما لا يلبس، إذ الأصل الإباحة، ولو عدد له ما يلبس لطال، بل كان لا يؤمن أن يتمسك بعض السامعين بمفهومه فيظن اختصاصه بالمحرم.