رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال " أن مثل المؤمن كمثل شجرة لا تسقط لها أنملة، أتدرون ما هي؟ " قالوا: لا، قال: " هي النخلة، لا تسقط لها أنملة، ولا يسقط للمؤمن دعوة " (1).
ووقع عند المصنف في باب الأطعمة من طريق الأعمش، قال: حدثني مجاهد عن ابن عمر، قال: بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتى بجمار فقال: إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم وهذا أعم من الذي قبله، وبركة النخلة موجودة في جميع أجزائها مستمرة في جميع أحوالها، فمن حين تطلع إلى أن تيبس، يؤكل أنواعا ثم بعد ذلك ينتفع بجميع أجزائها، حتى النوى في علف الدواب، والليف في الحبال وغير ذلك، وكذلك بركة المسلم عامة في جميع الأحوال وغيرها، ونفعه مستمر له ولغيره حتى بعد موته ثم قال: قال القرطبي: موقع التشبيه بينهما من جهة أن دين المسلم ثابت، وأن ما يصدر عنه من العلوم والخير قوت للأرواح مستطاب، وأنه لا يزال مستورا بدينه، وأنه ينتفع بكل ما صدر منه حيا وميتا انتهى، وقال غيره: والمراد بكون فرع المؤمن في السماء رفع عمله وقبوله، وروى البزار من طريق سفيان بن حسن عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمن مثل النخلة، ما أتاك منها نفعك، هكذا أورده (2)، وإسناده صحيح، وقد أفصح بالمقصود بأوجز عبارة، وأما من زعم أن موقع التشبيه من جهة كون النخلة إذا وقع رأسها ماتت، أو أنها لا تحمل حين تلقح، أو أنها تموت إذا غرقت، أو لان لطلعها رائحة مني الآدميين، أو لكونها تعشق، أو لكونها تشرب من أعلاها، فكلها أوجه ضعيفة، لان جميع ذلك من المتشابهات مشترك بالآدميين، لا يختص بالمسلم، وأضعف من ذلك قول من زعم أن ذلك لكونها خلقت من فضلة طين آدم، فإن الحديث في ذلك لم يثبت، وقول سيدنا عمر أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا، زاد ابن حبان في صحيحه: أحسبه قال: حمر النعم، وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم امتحان العالم أذهان الطلبة بما يخفى من تبليغه لهم إن لم يفهموه.
وأما ما رواه أبو داود من حديث معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الاغلوطات (3)، قال الأوزاعي أحد رواته: هي صعاب المسائل، إن ذلك محمول على ما لا نفع فيه، أو ما خرج على سبيل تعنت المسؤول أو تعجيزه وفيه التحريض على الفهم في العلم، وفيه دليل على بركة النخلة وما تثمره، وفيه دليل على أن بيع الجمار جائز، لان كل ما جاز أكله جاز بيعه وفيه دليل على جواز تجمير النخل، وفيه ضرب من الأمثال، والاشباه لزيادة الافهام وتصوير المعاني لترسخ في الذهن ولتحديد الفكر في النظر في حكم الحادثة، وفيه إشارة أن من تشبيه