الرابع: استفيد من حديث عائشة: تعيين الوقت الذي وقع فيه بصيام عاشوراء، وهو أول قدومه المدينة، ولا شك أن قدومه كان في ربيع الأول، فحينئذ كان الأمر بذلك في أول السنة الثانية.
وفي السنة الثانية فرض شهر رمضان، فعلى هذا لم يقع الأمر بصوم عاشوراء إلا في سنة واحدة، ثم فوض الأمر بصومه إلى رأي المتطوع.
الخامس:
استشكل بعضهم حديث ابن عباس، بأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما قدم المدينة في شهر ربيع الأول، فكيف يقول ابن عباس إنه قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء؟. وأجاب ابن القيم: بأنه ليس في الحديث أن يوم قدومه وجدهم يصومونه، فإنه قدم يوم الاثنين في ربيع الأول ثاني عشره، ولكن أول علمه بذلك ووقوع القصة في اليوم الذي كان بعد قدومه المدينة ولم يكن وهو بمكة.
قال الحافظ: غابته أن في الكلام حذفا: تقديره قدم عليه الصلاة والسلام المدينة، (فأقام إلى يوم عاشوراء) فوجد اليهود صياما (ويحتمل أن يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية).
السادس:
قال في حديث: كان يصوم شعبان إلا قليلا أي: يصوم معظمه.
ونقل الترمذي عن ابن المبارك أنه قال: جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر، أن يقول: صام الشهر كله، ويقال: قام فلان ليلته أجمع، ولعله قد تعشى فاشتغل ببعض أمره، قال الترمذي: كان ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك.
وحاصله: أن الرواية الأولى: مفسرة للثانية، ومخصصة لها، وأن المراد بالكل الأكثر، وهو مجاز قليل الاستعمال، واستبعده الطيبي، وقال: يحمل على أنه كان يصوم شعبان كله تارة، ويصوم معظمه أخرى لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان.
وقال ابن المنير: إما أن يحمل قول عائشة على المبالغة، والمراد الأكثر، وإما أن يجمع بأن قولها الثاني متأخر عن قولها الأول. فأخبرت عن أول أمره: أنه كان يصوم أكثر شعبان، وأخبرت ثانيا عن آخر أمره أنه كان يصومه كله.
قال الحافظ: ولا يخفى تكلفه، والأول هو الصواب.