عصره:
عاش ابن كثير في القرن الثامن الهجري، من بداية هذا القرن إلى قرب منتهاه، في ظل دولة المماليك التي كانت تبسط سلطانها على مصر والشام.
وكانت في عصره نكبات شديدة شهدها العالم الاسلامي، ممثلة في هجوم التتار، وفى كثرة المجاعات والأوبئة، وفى تقلب السلطة بين أمراء المماليك الذين كانوا يوالون الانتقاض بعضهم على بعض...
ويكاد الانسان لا يفتح سنة من سنوات حياة ابن كثير في كتب التراجم والتاريخ إلا ويجد فيها أنباء المجاعات والأوبئة وهجوم الإفرنج والتتار ومصارع الامراء، مما لا يوصف بأنه حياة سياسية مستقرة.
ولكن تلك الحقبة التي عاشها ابن كثير من عصر المماليك كان يسودها نشاط علمي، تمثل في كثرة المدارس واتساع نطاق التعليم وكثرة التأليف، ولذلك أسباب مذكورة في التاريخ من تنافس الامراء وكثرة الأوقاف على العلماء وبناء المدارس واتصال الأقطار الاسلامية بعضها ببعض، وغير ذلك.
ولكن ذلك النشاط كان محصورا في دائرة ضيقة دائرة الاتباع والتقليد والتلخيص والاختصار والشرح، كذلك كان هذا النشاط منصرفا في كثرته إلى العلوم الشرعية وما يخدمها.
ويبدو طابع ذلك العصر واضحا في ابن كثير، إذ كان انصرافه إلى علوم السنة والفقه، أو العلوم الشرعية بوجه عام وكانت مؤلفاته يغلب عليها طابع التأليف في عصره، وهو الميل إلى اختصار كتب الأقدمين، أو إدماج بعضها في بعض أو شرحها والتعليق عليها.