ثم أضاء إضاءة أخرى حتى نظرت إلى قصور الحيرة وأبيض المدائن (1).
فسمعت صوتا في النور وهو يقول: ظهر الاسلام، وكسرت الأصنام، ووصلت الأرحام.
فانتبهت فزعا، فقلت لقومي: والله ليحدثن في هذا الحي من قريش حدث، وأخبرتهم بما رأيت. فلما انتهينا إلى بلادنا جاءنا رجل فأخبرنا أن رجلا يقال له أحمد قد بعث، فأتيته فأخبرته بما رأيت فقال: " يا عمرو بن مرة، إني المرسل إلى العباد كافة أدعوهم إلى الاسلام، وآمرهم بحقن الدماء وصلة الأرحام، وعبادة الله ورفض الأصنام، وحج البيت، وصيام شهر من اثنى عشر شهرا وهو شهر رمضان، فمن أجاب فله الجنة. ومن عصى فله النار، فآمن يا عمرو بن مرة يؤمنك الله من نار جهنم ".
فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، آمنت بكل ما جئت به من حلال وحرام، وإن أرغم ذلك كثيرا من الأقوام، ثم أنشدته أبياتا قلتها حين سمعت به، وكان لنا صنم وكان أبى سادنا له، فقمت إليه فكسرته ثم لحقت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أقول:
شهدت بأن الله حق وأنني * لآلهة الأحجار أول تارك فشمرت عن ساقى إزار مهاجر * إليك أدب الغور بعد الدكادك (2) لأصحب خير الناس نفسا وولدا * رسول مليك الناس فوق الحبائك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " مرحبا بك يا عمرو بن مرة ". فقلت: يا رسول بأبي أنت وأمي، ابعث بي إلى قومي، لعل الله أن يمن بي عليهم كما من بك على.